أي: من أحبار اليهود، ككعب بن الأشرف، وحيّي بن أخطب {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ}؛ أي: أن يردّوكم أيها المؤمنون، فإنّ {لَوْ} من حروف المصادر، إذا جاء بعد فعلٍ يفهم منه معنى التمني، كقوله تعالى:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}؛ أي: ودّوا أن يصرفوكم عن التوحيد والإِسلام {مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ} يا معشر المؤمنين! بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبالقرآن {كُفَّارًا}؛ أي: مرتدّين، حال من ضمير المخاطبين في {يَرُدُّونَكُمْ} ويحتمل أن يكون مفعولًا ثانيًا ليردُّونكم على تضمينه معنى يصيِّرونكم، وقوله:{حَسَدًا} علةٌ، لقوله:{وَدَّ} كأنَّه قيل: ودَّ كثير منهم ذلك من أصل الحسد، وقوله:{مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} يجوز أن يتعلَّق بودَّ على معنى: أنّهم تمنَّوا ارتدادكم من عند أنفسهم، وقِبَلِ شهوتهم وأهوائهم، لا من قِبَل التديُّنِ، والميل مع الحق، ولو على زعمهم؛ لأنّهم ودُّوا ذلك، فكيف يكون تمنّيهم من قبل الحق؟ ويجوز أن يتعلَّق بحسدًا؛ أي: حسدًا منبعثًا من أصل نفوسهم، بالغًا أقصى مراتبه، وقوله:{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ} وظهر {لَهُمُ الْحَقُّ} وعلموا في كتابهم التوارة، أنَّ ما جاء به محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - ودينه، ونعته، وصفته، هو الحقُّ لا يشكُّون فيه، فكفروا به حسدًا وبغيًا، متعلِّقٌ بقوله:{وَدَّ}؛ أي: ودُّوا ذلك بعد ظهور الحق عندهم، وأولئك الكثير هم رهطٌ من أحبار اليهود. روي أنَّ فنحاص بن عازوراء، وزيد بن قيس، ونفرًا من اليهود، قالوا لحذيفة بن اليمان، وعمّار بن ياسر - رضي الله عنهما - بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم، ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا، فهو خير لكم وأفضل، ونحن أهدى منكم سبيلًا، فقال عمَّارٌ: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديدٌ، قال: فإني قد عاهدت أن لا أكفر بمحمد ما عشت، فقالت اليهود: أمَّا عمَّارٌ فقد صبأ؛ أي: خرج عن ديننا بحيث لا يرجى منه الرجوع إليه أبدًا، فكيف أنت حذيفة؟ ألا تبايعنا؟ قال حذيفة: رضيت بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا، وبالإسلام دينًا، وبالقرآن إمامًا، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانًا، فقالوا: وإله موسى، لقد أشرب في قلوبكما حبُّ محمد، ثُمَّ أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخبراه، فقال: أصبتما خيرًا، وأفلحتما، والمعنى أحبَّ وأراد كثيرٌ منهم ردَّكم عن دينكم من بعد إيمانكم، حالة كونكم كفارًا مرْتدين، من بعد ما ظهر لهم الحقُّ من