للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أصل حسدهم إيّاكم حسدًا ناشئًا من قبل أنفسهم، وأهوائهم، لا بأمر الله إيّاهم بذلك، وأصل (١) الحسد: تمنِّي زوال النعمة عمَّن يستحقُّها، ربّما يكون مع ذلك سعيٌ في إزالتها، والحسد مذمومٌ من الكبائر؛ لما رُوِي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إياكم والحسد، فإنّ الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب" أخرجه أبو داود، فإذا أنعم الله على عبده نعمةً فتمنَّى آخر زوالها عنه، فهذا هو الحسد، وهو حرامٌ، فإن استعان بتلك النعمة على الكفر والمعاصي، فتمنَّى آخر زوالها عنه فليس بحسدٍ، ولا يحرم ذلك؛ لأنّه لم يحسده على تلك النعمة من حيث إنّها نعمةٌ، بل من حيث إنّه يتوصَّل بتلك النعمة إلى الشرِّ والفساد.

{فَاعْفُوا} واسمحوا عنهم أيها المؤمنون! إساءتهم، أي: اتركوهم، فلا تؤاخذوهم بهذه المقالة بالانتقام الفعلي، كالقتل والضرب {وَاصْفَحُوا}؛ أي: أعرضوا عنهم، فلا تلوموهم على أخلاقهم، وكلامهم السيء، ولا تقابلوهم بالانتقام القولي؛ أي: فاسلكوا معهم سبيل العفو والصفح عمّا يكون منهم من الجهل، والعداوة. وأصل (٢) العفو: ترك عقوبة المذنب، يقال: عفت الريح المنزل درسته، وعفا المنزل يعفو درس، ويتعدّى، ولا يتعدّى، ومن ترك المذنب، فكأنّه درس ذنبه من حيث إنّه ترك المكافأة والمجازاة، وذلك لا يستلزم الصفح، ولذا قال تعالى: {وَاصْفَحُوا} فإنّه قد يعفو الإنسان ولا يصفح. والصفح: ترك التقريع باللسان والاستقصاء، يقال: صفحت عن فلانٍ، إذ أعْرضْتَ عن ذنبه بالكلية، وقد ضربت عنه وتركته، وليس المراد بالعفو والصفح المأمور بهما: الرضى بما فعلوا؛ لأنّ ذلك كفرٌ، والله تعالى لا يأمر به، بل المراد بهما: ترك المقاتلة والإعراض عن الجواب عن مساوي كلامهم. انتهى من "الروح".

والفرق بين العفو والصفح: أنّ العفو: ترك عقوبة المذنب، والصفح: ترك


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.