للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: أدُّوا الصلاة المفروضة عليكم بشروطها وأركانها، وادفعوا زكاة أموالكم عن طيب نفسٍ منكم إلى مصارفها، فهو معطوف على قوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} كأنّه أمرهم بالصبر والمخالفة، واللجوء إلى الله تعالى بالعبادة والبرِّ، فالمراد: الأمر بملازمة طاعة الله تعالى من الفرائض، والواجبات، والتطوّعات، بقرينة قوله: {وَمَا تُقَدِّمُوا} و {مَا} شرطية؛ أي: أيَّ شيء تفعلوه، وتسلفوه (لـ) مصلحة {أنفسكم من خير}؛ أي: عملٍ صالحٍ، كصلاة، وصدقة، وصيام، لمصلحة أنفسكم {تَجِدُوُه}؛ أي: تجدوا ثوابه وجزاءه لا عينه؛ لأنَّ عين تلك الأعمال لا تبقى؛ ولأنَّ وجدان عينها لا يرغب فيه؛ أي: تجدوه مدَّخرًا لكم {عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى، محفوظًا عنده في الآخرة، فتجدوا التمرة واللُّقمة فيها مثل أُحُدٍ، فالخير المذكور في الآية يتناول (١) أعمال البر كُلَّها، إلّا أنّه تعالى خصَّ من بينها إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، بالذكر؛ تنبيهًا على عظم شأنهما، وعلوِّ قدرهما عند الله تعالى، فإنَّ الصلاة قربةٌ بدنيةٌ، ليكون عمل كل عضوٍ شكرًا لما أنعم الله عليه في ذلك، والزكاة قربةٌ مالية، ليكون شكرًا للأغنياء الذين فضَّلهم الله في الدنيا بالاستمتاع بلذيذ العيش؛ بسبب سعتهم في صنوف الأموال. وقرىء {تُقْدِمُوا} من أقدم الرباعي. ذكره البيضاوي، ولفظ التقديم في قوله: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} إشارةٌ إلى أنَّ المقصود الأصليَّ، والحكمة الكلية في جميع ما أنعم الله تعالى به على المكلفين في الدنيا، أن يقدّموه إلى معادهم، ويدَّخروه ليومهم الآجل، كما جاء في الحديث: "إنّ العبد إذا مات قال الناس: ما خلَّف، وقالت الملائكة ما قدَّم" وما أحسن قول بعضهم:

سَابِقْ إلى الخيرِ وبَادِر به ... فإنَّما خَلْفَكَ ما تَعْلَمُ

وقدِّمَ الخَيْرَ فكُلُّ امرئٍ ... عَلَى الَّذي قدَّمَهُ يَقْدُمُ

{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {بِمَا تَعْمَلُونَ} من الخيرات، وما تنفقون من الصدقات {بَصِيرٌ}؛ أي: عليم بنياتكم، لا يخفى عليه شيء من قليل الأعمال


(١) روح البيان.