للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكثيرها، ولا يضيع عنده عمل عامل، ففيه ترغيبٌ في الطاعات، وأعمال البرّ، وزجرٌ عن المعاصي؛ أي: فالعمل المذكور في الآية، غير مقيَّد بالخير، أو الشرِّ، فهو عام شامل للترغيب والترهيب، فالترغيب من حيث إنّه يدلُّ على أنّه تعالى يجازي على القليل من الخير، كما يجازي على الكثير منه، والترهيب من حيث إنّه يجازي على القليل من الشرّ والكثير منه أيضًا، فلا يضيع عنده عمل عامل خيرًا أو شرًّا. وقرىء {يعملون} بالياء، فيكون وعيدًا. ذكره البيضاوي.

وعن عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنّه مرَّ ببقيع الغرقد، فقال: (السلام عليكم أهل القبور أخبار ما عندنا، إنَّ نساءكم قد تزوَّجْنَ، ودوركم قد سكنت، وأموالكم قد قسمت، فأجابه هاتفٌ: يا ابن الخطاب! أخبار ما عندنا: إنّ ما قدَّمناه وجدناه، وما أنفقناه فقد ربحناه، وما خلَّفناه فقد خسرناه). ولقد أحسن هذا القائل:

قَدِّم لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِك صَالِحًا ... واعْمَلْ فَلَيْس إلَى الخُلُودِ سَبِيلُ

ومن مواعظ عليّ - كرّم الله وجهه - أنّه كان إذا دخل المقبرة قال: (السلام عليكم أهل هذه الديار الموحشة، والمحالِّ المقفرة، من المؤمنين والمؤمنات، ثُمَّ قال: أمّا المنازل فقد سكنت، وأمّا الأموال فقد قسمت، وأمّا الأزواج فقد نكحت، فهذا خبر ما عندنا، فليت شعري ما عندكم، والذي نفسي بيده، لو أنَّ لهم في الكلام لقالوا: إنّ خير الزاد التقوى) وفي الحديث الصحيح "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له" والأوّل يشمل بناء المساجد، ومعاهد العلم، والمستشفيات، والملاجىء، والأَحْبَاسَ على المُعْوزِينَ والمحتاجين، والثاني: يَنْضَوِي تحته ما يُخْلِفهُ الإنسان من تصنيف علمٍ، أو تَعليمٍ للعلوم الدينية، وما يحتاج إليه في تعلُّمِها، كالنحو، والصرف، وما كان آلة لها، وقيَّد الولد بكونه صالحًا؛ لأنّ الأجر لا يحصل من غيره، وأمّا الوزر، فلا يلحق الأب سيئة ابنه إذا كانت نيّته في تحصيله الخَيْرَ، وإنما ذكر الدعاء له؛ تحريضًا للولد على الدعاء لأبيه، لا لأنَه قيدٌ؛ لأنَّ الأجر يحصل للوالد بولدهِ الصالح كُلَّما عمل عملًا صالحًا، سواء