بالصلاة، والتسبيح، والأذان، ومدارسة العلوم الدينية، وتدريسها من التفسير، والحديث، والفقه، والتوحيد، وما يحتاج إليه فيها من علوم القواعد العربية، كالنحو، والصرف، والبلاغة، فهذا المانع أشدُّ ظلمًا، وأقبح جرمًا، لما فيه من الجراءة على الله، وقطع دينه، ومعاداته، فإنَّ الاشتغال بالعلم من أفضل الطاعات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات؛ أي: لا أحد أظلم ممن منع الناس أن يعبدوا الله تعالى في المساجد، بالصلاة، والأذكار، وغيرها، بغلقها، وتعطيلها عن العبادة، ومنع الوصول إليها، كما فعل المشركون حين صدُّوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عام الحديبية عن البيت عام ستٍّ من الهجرة {وَسَعَى}؛ أي: عمل واجتهد {فِي خَرَابِهَا} أي: في أسباب تخريبها بالهدم، وإلقاء الجيف، والقاذورات فيها، قال قتادة: أولئك أعداء الله النصارى خرَّبوا بيت المقدس.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (أن فَلَيْطَيُوسَ الرُّوميّ مَلِكَ النصارى، وأصحابه غزوا بني إسرائيل، فقتلوا مقاتلتهم، وسَبَوْا ذرارِيَّهم، وأحرقوا التوراة، وخرَّبوا بيت المقدس، وقذفوا فيه الجيف، وذبحوا فيه الخنازير، ولم يزل خرابًا حتى بناه المسلمون في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -) وذلك لمَّا استولى عُمر رضي الله عنه على ولاية كِسرى، وغنم أموالَهم، عَمَّر بها بَيْتَ المقدس، ثم صار في أيدي النصارى من الإفرنج أكثر من مائة سنة، حتى فتحه، واستخلصه من أيديهم، الملك الناصر صلاح الدين من آل أيوب، سنة خمسمائة وخمس وثمانين بعد الهجرة. وقيل: نزلت الآية في مشركي العرب الذين منعوا رسول الله عن الدعاء إلى الله تعالى بمكة، وألجؤوه إلى الهجرة، فصاروا بذلك مانعين له - صلى الله عليه وسلم -، ولأصحابه أن يذكروا اسم الله في المسجد الحرام، وأيضًا: أنّهم صدُّوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه عن المسجد الحرام حين ذهب إليه من المدينة عام الحديبية، وهي السنة السادسة من الهجرة، والحديبية: موضعٌ على طريق مكة، فعلى هذا يكون المسجد الذي نزلت الآية فيه المسجد الحرام، فالمراد بالخراب في قوله:{وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} تعطيلهم المسجد الحرام عن الذكر والعبادة، دون تخريبه وهدمه حقيقةً، ويجعل تعطيل المسجد عنهما تخريبًا؛ لأنَّ المقصود من بنائه إنما هو الذكرُ والعبادةُ فيه، فما دام لم يترتَّب عليه هذا