ممالكه، وتشييد ملكه، وجميع ما تحتاج إليه رعاياه، وجنده من عمارة بلاده، وتدبير أحوال عباده، استوى على سرير ملكه استيلاء عظمة، فيقيس السامع ما غاب عن حسه من أمر الإلهية على ما هو متخيله من أمر المملكة الدنيوية عند سماع هذا الكلام، ولهذا لا يقع ذكر الاستواء على العرش إلا بعد الإخبار بالفراغ من خلق السموات والأرض وما بينهما، وإن لم يكن ثم سرير منصوب، ولا جلوس محسوس، ولا استواء معقول لنا.
فائدة: في الاستواء مذهبان:
أحدهما: مذهب السلف، وهو لا يفسر الاستواء، بل يقول: إنه استواء يليق به سبحانه، لا نكيفه، ولا نمثله، وهو الأسلم الأعلم.
وثانيهما: مذهب الخلف، وهو يفسره بالاستيلاء عليه بالتصرف فيه، وفي سائر المخلوقات.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {بُرُوجًا}؛ لأنها في الأصل القصور العالية، استعيرت لمنازل الكواكب السيارة بجامع الارتفاع في كل.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}.
ومنها: تقديم السجود على القيام في قوله: {سُجَّدًا وَقِيَامًا}؛ لرعاية الفاصلة مع أن السجود مؤخر عنه طبعًا، وليعلم أن القيام في الصلاة مقدم مع أن السجدة أحق بالتقديم.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}؛ لإفادة التهويل.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {وَعَمِلَ عَمَلًا}، وفي قوله:{فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}.
ومنها: الاستعارة البديعة في قوله: {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}؛ لأن