ومنها: التوليد في قوله تعالى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} فإن هذه الآية اشتملت على أحد عشر نوعًا من البلاغة يتولد بعضها من بعض: أولها: النداء بـ {يَا}، وثانيها: كنت بـ {أَيُّ}، وثالثها: نبهت بـ {هَا} التنبيه، ورابعها: سمت بقولها: {النَّمْلُ}، وخامسها: أمرت بقولها: {ادْخُلُوا}، وسادسها: نصت بقولها: {مَسَاكِنَكُمْ}، وسابعها: حذرت بقولها: {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ}، وثامنها: خصصت بقولها: {سُلَيْمَانُ}، وتاسعها: عممت بقولها: {وَجُنُودُهُ} وعاشرها: أشارت بقولها؛ {وَهُمْ}، وحادي عشرها: عذرت بقولها: {لَا يَشْعُرُونَ}. هذا وقد أنشدوا ملغزين في نملة سليمان وبقرة بني إسرائيل.
ومنها: طباق السلب في قوله: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ}.
ومنها: جناس التصريف في قوله: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} اختلاف صيغة الكلمتين بإبدال حرف من حرف إما من مخرجه، أو من قريب من مخرجه؛ وهو من محسنات الكلام المتعلقة باللفظ. وقال أبو حيان في تعريفه: وهو أن تنفرد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف. انتهى.
قال صاحب "الكشاف": وهذا من محاسن الكلام بشرط أن يجيء مطبوعًا غير متكلف، أو يصنعه عالم بجوهر الكلام، ولقد حسن في الآية، وباع لفظًا ومعنى، ألا ترى أنه لوهوضع مكان {بِنَبَإٍ} لفظة بخبر .. لكان المعنى صحيحًا، ولكن يفوت ما في النبأ من الزيادة التي معناها الخبر الهام، والتي يطابقها وصف الحال؛ لأنه جاء منغومًا عذب الجرس؛ لاتفاق سبأ ونبأ.