للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وارزق} يا ربّ! {أَهْلَهُ}؛ أي: أهل هذا البلد وسُكَّانه مواطنًا كان، أو مقيمًا {مِنَ الثَّمَرَاتِ}؛ أي: من أنواع الثمرات، وحمل الشجر: جمع ثمرة وهي المأكولات مما يخرج من الأرض والشجر، فهو سؤال الطعام والفواكه، وقيل: هي الفواكه، وإنّما خصَّ هذا بالسؤال؛ لأنّ الطعام المعهود مما يكون في كُل موضع، وأمّا الفواكه، فقد تندر، فسأل لأهله الأمن والسعة، مما يطيب العيش، ويدوم، وقد تحصل في مكَّة الفواكه الربيعيَّة، والصيفيَّة، والخريفيَّة في يوم واحد، فاستجاب له في ذلك؛ لما روي أنّه لما دعا هذا الدعاء، أمر الله سبحانه جبريل بنقل قرية من قرى فلسطين كثيرة الثمار إليها، فأتى جبريل فقلعها، وجاء بها، وطاف بها حول البيت سبعًا، ثم وضعها على ثلاث مراحل من مكة وهي الطائف، ولذلك سُمِّيت به، ومنها أكثر ثمرات مكة، ويجيءُ إليها أيضًا من الأقطار الشَّاسِعَة، والبلاد النَّائية، شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، خصوصًا في هذا الزمان بالطائرات، والباخرات، والسيَّارات، وهذا آية من آيات الله، فسبحانه فعالًا لما يريد، وخصّ الثمرات حيث لم يقل من الحبوب؛ لما في تحصيلها من الذلّ الحاصل بالحرث، وغيره، فاقتصاره على الثمرات؛ لتشريفهم، ثم أبدل قوله: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} من أهله بدل بعض من كل؛ مراعاة لحسن الأدب، وترغيبًا لقومه في الإيمان؛ أي: وارزق المؤمنين باللهِ وباليوم الآخر من أهله خاصة {قَالَ} سبحانه وتعالى {وَمَن كَفَرَ} معطوف على محذوف، تقديره: أي: ارزق من آمن منهم ومن كفر أيضًا.

قاس إبراهيم عليه السلام الرزق على الإمامة، حيث سأل الرزق لأجل المؤمنين خاصة، كما خصّ الله تعالى الإمامة بهم في قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فلمّا ردّ سؤال الإمامة في حقّ ذرّيته على الإطلاق، حسب أن يردَّ سؤاله الرزق في حقّ أهل مكة على الإطلاق، فلذلك قيد بالإيمان تأدُّبًا بالسؤال الأول، فنبَّه سبحانه على أنَّ الرزق رحمةٌ دنيويَّةٌ تعمُّ المؤمن والكافر، بخلاف الإمامة والتقدُّم؛ أي: وأَرْزُقُ أيضًا من كفر باللهِ واليوم الآخر {فَأُمَتِّعُهُ}؛ أي: أمدُّ له ليتناول من لذات الدنيا؛ إثباتًا للحجة عليه، وأمتعه تمتيعًا {قَلِيلًا} فإنّ الدنيا بكليتها قليلةٌ، وما يتمتَّع الكافر به منها قليلٌ من القليل، فإنَّ نعمته تعالى في الدنيا