وإن كانت كثيرة بإضافة بعضها إلى بعض، فإنّها قليلةٌ بإضافتها إلى نعمة الآخرة، وكيف لا يقلُّ ما يتناهى بالإضافة إلى ما لا يتناهى، فقليلًا: صفة لمصدر محذوف، كما قدَّرنا، ويجوز أن يكون صفة لظرف محذوف؛ أي: أُمتِّعُه زمانًا قليلًا، وهو مدَّة حياته {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ}؛ أي: ثمّ بعد تمتيع ذلك الكافر مدّة حياته أضطرُّه؛ أي: ألجئه، وأرجعه، وأسوقه في الآخرة {إِلَى عَذَابِ النَّارِ} فلا يجد عنها محيصًا، والاضطرار في اللُّغة: حمل الإنسان على ما يضرُّه، وهو في المتعارف: حمل الإنسان بكفره على أن يفعل ما أكره عليه باختياره، فلا يكون اضطرارهم إلى عذاب النار مستعملًا في معناه العرفي، فهو مستعارٌ لِلَزِّهِمْ، وإلصاقِهِم به، بحيث يتعذَّر عليهم التخلّصُ منه، كما قال تعالى:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} فإنَّه صريحٌ في أن لا مدخل لهم في لحوق عذاب الآخرة بهم، ولا اختيار إلّا أنّهم سُمُّوا مضطرين إليه مختارين إيّاه على كُره، تشبيهًا لهم بالمضطر الذي لا يملك الامتناع عمَّا اضطرّ إليه، فالمعنى: أَلُزُّهُ إليه لَزُّ المضطرِّ لكُفْرِه، وتضييعهِ ما متَّعتُهُ به من النِعَم بحيث لا يمكن الامتناعَ منه {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}؛ أي: قَبُح المرجع مرجعُه المخصوص بالذمّ محذوف؛ أي: بئس المرجع الذي يرجع إليه للإقامة فيه النارُ، أو عذابها، فللعبد في هذه الدنيا الفانية الإمهالُ أيّامًا لا لإهمالٍ، إذ كُلُّ نفس تُجزى بما كسبت، ولا تغرَّنك الزخارف الدنيوية، فإنَّ للمطيع والعاصِي نصيبًا منها، وليس ذلك من موجبات الرفعة في الآخرة، فعلى العاقل أن لا يغترَّ بالزخارف الدُّنيوية، بل لا يفرح بشيء سوى الله تعالى، فإنَّ ما خلا الله باطلٌ وزائلٌ، والاغترار بالزائل الفاني ليس من قضيّة كمال العقل، والفهم، والعرفان.
وقرأ الجمهور (١) من السبعة {فَأُمَتِّعُهُ} مشدَّدًا على الخبر. وقرأ ابن عامر {فأمتعه} مخفَّفًا على الخبر. وقرأ هؤلاء {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} خبرًا، وقرأ يحيى بن وثاب:{فأُمْتِعهُ} مخفَّفًا {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} بكسر الهمزة، وهما خبران. وقرأ ابن محيصن {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} بإدغام الضاد في الطاء خبرًا. وقرأ يزيد بن أبي حبيب {ثُمَّ