وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما:{فأَمْتِعْهُ قليلًا ثم اضْطرُّه} على صيغة الأمر فيهما، فأمَّا على هذه - القراءة، فيتعيَّن أن يكون الضمير في {قَالَ} عائدًا على إبراهيم لمَّا دعا للمؤمنين بالرزق، دعا على الكافرين بالإمتاع القليل، والإلزاز إلى العذاب، ومَنْ على هذه القراءة يحتمل أن تكون في موضع رفع بالابتداء على أن تكون موصولة، أو شرطية، وفي موضع نصب على الاشتغال على الوصل أيضًا وأمّا على قراءة الباقين، فيتعيَّن أن يكون الضمير في قال عائدًا على الله تعالى، ومَنْ يحتمل أن يكون في موضع نصب على إضمار فعل، تقديره: قال الله: وأرزق مَنْ كفر فأمتعه، ويكون {فَأُمَتِّعُهُ} معطوفًا على ذلك الفعلِ المحذوف الناصب لِمَنْ، ويحتمل أن تكون {مَنْ} في موضع رفع على الابتداء إمّا موصولًا، وإمّا شرطًا، والفاء فاءُ جواب الشرط، أو الداخلة في خبر الموصول؛ لشبهه باسم الشرط. انتهى. ملخصًا من "البحر".
وحاصل مَعنى الآية:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}. الخ. أي: وارزق (١) أهله من أنواع الثمار، إمّا بزرعها بالقرب منه، وإمّا بأن تجبى إليه من الأقطار الشاسعة، وقد حصل كلاهما استجابةً لدعوة إبراهيم، كما هو مشاهدٌ، وقد جاء في سورة القصص {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} وخصَّ إبراهيم بدعائه المؤمنين، وإن كان سبحانه لواسع رحمته، جعل رزق الدنيا عامًّا للمؤمنين والكافرين {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}؛ لأن تمتيع الكافرين قصيرٌ محدودٌ بذلك العمر القصير، ثمَّ إلى النار وبئس المصير، وهذا ما بيَّنه عز اسمه بقوله:{قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ ...} إلخ. أي: قال الله سبحانه: يا إبراهيم! قد أجبت دعوتك، ورزقت مؤمن أهل البلد من الثمرات، ورزقت كفارهم أيضًا، وأمتعهم بهذا الرزق أمدًا قليلًا، وهو مدّة وجودهم في الدنيا، ثم أسوقهم إلى عذاب النار سوقًا اضطراريًّا لا اختيار لهم فيه، ولا يعلمون أنَّ عملهم ينتهي بهم إليه.