ذاك أنَّ أعمال البشر التي تقع باختيارهم، لها آثارٌ وغاياتٌ اضطراريَّةٌ تنتهي بهم إليها، وتكون نتيجةً لها، بحسب ما وضعه الله سبحانه في نظام الكون، من وجود المسببات عقب وجود أسبابها، فالإسراف في الشهوات يفضي إلى بعض الأمراض في الدنيا، كذلك الكفار، والفساق، مختارون في كفرهم، وفسوقهم، وتكون نتيجة ذلك سوقهم إلى عذاب النار بمقتضى السُّنن الموضوعة. وكُل أعمال الإنسان النفسانية، والبدنية، لها الأثر الذي يفضي بصاحبها إلى السعادة، أو الشقاء، وهي أعمال كسبية اختيارية، فالإنسان متمكّن من اختيار الحق، وترك الباطل، وترك الخبيث، وفعل الطيّب بما أعطاه الله من العقل، وبما نزَّل عليه من الوحي، فإذا حاد عن ذلك يكون قد ظلم نفسه، وعرَّضها للعذاب، والشَّقاء بأعماله التي مبدؤها كسبي، وأثرها اضطراريٌّ، وهذه السُّنن بقضاء الله وتقديره، ومن ثَمّ يصحُّ أن يقال: إن الله قد اضطرّ الكافر إلى العذاب، وأَلْجَأَهُ إليه، وجعل الأرواح المدنَّسة بالأخلاق الذميمة، أو بالعقائد الفاسدة محلَّ سخطه، وموضع انتقامه في الآخرة، كما جعل أصحاب الأمراض القذرة عرضةً للأمراض في الدنيا.
{وَلِلَّهِ} الواو استئنافية {لله} خبر مقدّم {الْمَشْرِقُ} مبتدأ مؤخّر {وَالْمَغْرِبُ} معطوف على {الْمَشْرِقُ} والجملة الاسمية مستأنفة، ولكنّها مرتبطة من حيث المعنى بقوله:{مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} يعني: أنّه إن سعى ساع في المنع من ذكره تعالى، وفي خراب بيوته، فليس ذلك مانعًا من أداء العبادة في غيرها؛ لأنّ المشرق والمغرب وما بينهما له تعالى. ذكره في "الفتوحات"{فَأَيْنَمَا} الفاء فاء الفصيحة، مبنية على الفتح؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أن المشرق والمغرب لله تعالى، وأردتم بيان ما هو الأصلح لكم، فأقول لكم:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا}{أين} اسم شرط جازم يجزم فعلين في محل النصب على الظرفية المكانية، مبني على الفتح، والظرف متعلق بفعل الشرط؛ أعني: