الظاهر، فالأمر فيها حقيقة في الباطن؛ لأنه أولى بالحمد في الدارين، ورب الحمد والشكر والثناء الحبسن في المحلين حقيقة، وغيره من جميع خلقه إنما يُحمد في الدنيا مجازًا، وحقيقة حمده راجعة إلى ولي الحمد سبحانه.
ومنها: فن المناسبة في قوله: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا} إلى قوله: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} والمناسبة قسمان: مناسبة في المعاني، ومناسبة في الألفاظ، فالمعنوية هي أن يبتدىء المتكلم بمعنى ثم يتمم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ، فإنه سبحانه لما أسند جعل الليل سرمدًا إلى يوم القيامة لنفسه، وهو القادر الذي جعل الشيء لا يقدر غيره على مضادته قال:{أَفَلَا تَسْمَعُونَ} لمناسبة السماع للطرف المظلم من جهة صلاحية الليل للسماع دون الإبصار، لعدم نفوذ البصر في الظلمة، ولما أسند جعل النهار سرمدًا إلى يوم القيامة لنفسه، كأن لم يُخلق فيه ليل البتة قال في فاصلة هذه الآية:{أَفَلَا تُبْصِرُونَ} لمناسبة ما بين النهار والإبصار. وأما المناسبة اللفظية فستأتي في غير هذا الموضع.
ومنها: اللف والنشر المرتب في قوله: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)} فإنه جمع الليل والنهار، ثم قال:{لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} فأعاد السكون إلى الليل، والابتغاء لطلب الرزق إلى النهار، وسماه علماء البديع باللف والنشر المرتب؛ لأنه أعاد الأول على الأول والثاني على الثاني.
وضابطه: أن يذكر متعدد على وجه التفصيل، أو الإجمال، ثم يذكر ما لكل واحد من المتعدد من غير تعيين، ثقة بأن السامع يميز ما لكل منها، ويرده إلى ما هو له، فقد زاوج بين الليل والنهار لأغراض ثلاثة: أولها {لِتَسْكُنُوا} في أحدهما، وهو الليل، و {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} في ثانيهما، وهو النهار، ولإرادة شكركم في ثالثهما، وهذا النوع من علم البديع يسمى التفسير أيضًا، وهو أن يذكر