للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويبيِّن لهم سوء مغبتهم .. أعقبه بقصص قارون، ليبين عاقبة أهل البغي والجبروت في الدنيا والآخرة، فقد أهلك قارون بالخسف، وزُلزلت به الأرض، وهوت من تحته، ثم أصبح مثلًا يضرب للناس في ظلمه وعتوه، ويستبين لهم به سوء عاقبة البغاة، وما يكون لهم من النكال والوبال في الدنيا والآخرة، فيندمون على ما فعلوا.

قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) فيما سلف بغي قارون وعتوه وجبروته، وكثرة ما أوتيه من المال، الذي تنوء به العصبة أولو القوة .. أردف ذلك تفصيل بعض مظاهر بغيه وكبريائه، فذكر أنه خرج على قومه وهو في أبهى حليِّه وحلله، والعدد العديد من أعوانه وحشمه، قصدًا للتعالي على العشيرة، وأبناء البلاد، وفي ذلك كسر للقلوب وإذلال للنفوس، وتفريق للكلمة فلا تربطم رابطة، ولا تجمعهم جامعة فيذلون في الدنيا بانقضاض الأعداء عليهم، وقد غرَّت هذه المظاهر بعض الجهال، الذين لا همَّ لهم إلا زخرف الحياة وزينتها، فتمنوأ أن يكون لهم مثلها، فرد عليهم من وفَّقهم الله لهدايته: بأن ما عنده من النعيم لمن اتقى خير مما أوتي قارون، ولا يناله إلا من صبر على الطاعات واجتنب المعاصي، ثم أعقب ذلك بذكر ما آل إليه أمره من خسف الأرض به وبداره، ولم يجد معينًا ينصره، ويدفع العذاب عنه، وقد انقلب حال المتمنين المعجبين بحاله إلى متعجبين مما حل به، قائلين: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} لا لفضل منزلته عنده، وكرامته لديه كما بسط لقارون، ويضيَّق على من يشاء، لا لهوانه عليه، ولا لسخط عمله، ولولا أن تفضل علينا فصرف عنا ما كنا نتمناه بالأمس لخسف بنا الأرض.

قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ} الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر قول أهل


(١) المراغي.