ذلك، وأنا أقرأ التوراة، لا صبر لي على هذا، فقال؛ أما أنا ما جعلتها لهارون، بل الله جعلها له، فقال له قارون: والله لا أصدقك حتى تريني بيانه، فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل، فقال: هاتوا عصيكم فحزمها وألقاها في قبته التي يتعبد فيها، وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا، فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر، وكانت من شجر اللوز، فقال موسى: يا قارون ترى هذا؟ فقال له قارون: والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر، واعتزل قارون موسى باتباعه، وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما، وهو يؤذيه كل وقت، ولا يزيد إلا عتوًا وتجبرًا ومعاداة لموسى، حتى بني دارًا، وجعل لها بابًا من الذهب، وضرب على جدرانها صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون، فيُطعمهم الطعام، ويحدثونه ويضاحكونه.
قال ابن عباس: فلما نزلت الزكاة على موسى أتاه قارون فصالحه على كل ألف دينار عنها دينار، وعلى كل ألف درهم عنها درهم، وكل ألف شاة عنها شاة، وكذلك سائر الأشياء، ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده شيئًا كثيرًا، فلم تسمح نفسه بذلك، فجمع بني إسرائيل وقال لهم: إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه، وهو يريد أن يأخذ أموالكم، فقالوا: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت، قال: آمركم أن تجيؤوا فلانة البغيَّ، وتجعلوا عليكم لها جُعلًا على أن تقذف موسى بنفسها، فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل فرفضوه، فدعوها، فجعل لها قارون ألف دينار وألف درهم، وقيل: طستًا من ذهب، وقيل: قال لها قارون: انزلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدًا إذا حضر بنو إسرائيل، فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل، ثم أتى موسى، فقال: إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم، فخرج إليهم موسى وهم في مرج من الأرض، فقام فيهم، فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه ثمانين، ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مئة جلدة، ومن زنى وله امرأة رجمناه إلى أن يموت، فقال قارون: وإن كنت أنت، قال: وإن كنت أنا، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة البغي، قال: ادعوها، فلما جاءت قال لها موسى: بالذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة إلا صدقت،