فتداركها الله بالتوفيق، فقالت في نفسها أُحدث توبة أفضل من أن أوذي رسول الله، فقالت: لا والله، ولكن قارون جعل لي جعلًا على أن أقذفك بنفسي، فخر موسى ساجدًا يبكي، ويقول: اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي، فأوحى الله إليه: أني أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت، فقال موسى: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون، فمن كان معه فليثبت مكانه، ومن كان معي فليعتزل، فاعتزلوا فلم يبق مع قارون إلا رجلان، ثم قال موسى: يا أرض خذيهم فأخذتهم بأقدامهم، وقيل: كان على سريره وفرشه فأخذته الأرض حتى غيبت سريره، ثم قال موسى: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى الركب، ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط، ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى الأعناق، وأصحابه في ذلك يتضرعون إلى موسى، ويناشده قارون الله والرحم، حتى قيل: إنه ناشده أربعين مرة، وقيل: سبعين مرة، وموسى في ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه، ثم قال: يا أرض خذيهم، فأطبقت عليهم الأرض، فأوحى الله سبحانه إلى موسى: ما أغلظ قلبك! يستغيث بك قارون سبعين مرة فلم تُغثه، أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته، وفي بعض الآثار: لا أجعل الأرض بعدك طوعًا لأحد.
قال قتادة: خُسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل، لا يبلغ قرارها إلى يوم القيامة، حتى إذا بلغ قعر الأرض السفلى نفخ إسرافيل في الصور، والله أعلم.
حكى المفسرون في أسباب الخسف أمورًا كثيرة، هي غاية في الغرابة، يبعد أن تصدقها العقول، ومن ثم قال الرازي: إنها مضطربة متعارضة، فالأولى طرحها، والاكتفاء بما دل عليه نص القرآن، وتفويض سائر التفاصيل إلى عالم الغيب. اهـ.
وأصبح بنو إسرائيل يقولون فيما بينهم: إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله، فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض، ثم بيَّن سبحانه أنه لم يجد له شفيعًا ولا نصيرًا يدفع عنه العذاب حينئذٍ فقال:{فَمَا كَانَ لَه}؛ أي: لقارون {مِنْ فِئَةٍ}؛ أي: من جماعة {يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ