قاعدة، وهي في الأصل: صفةٌ بمعنى الثابتة، ثُمَّ صارت بالغلبة من قبيل الأسماء بحيث لا يذكر لها موصوفٌ، ولا يقدَّر، ولعل لفظ القعود حقيقةٌ في الهيئة: المقابلة للقيام، ومستعارٌ للثبات والاستقرار؛ تشبيهًا له بها في أنَّ كُلًّا منهما حالةٌ مباينةٌ للانتقال والنزول، وقوله:{مِنَ الْبَيْتِ} حالٌ من القواعد، وكلمة من ابتدائية لا بيانية؛ لعدم صحّة أن يقال: الَّتي هي البيت.
فإن قلت: رفع الشيء أن يفصل عن الأرض، ويجعل عاليًا مرتفعًا، والأساس أبدًا ثابتٌ على الأرض، فما معنى رفعه؟
قلت: المراد برفع الأساس: البناء عليه، وعبَّر عن البناء على الأساس برفعه؛ لأنَّ البناء ينقله عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع، فيوجد الرفع حقيقةً إلّا أنَّ أساس البيت واحدٌ، وعبَّر عنه بلفظ القواعد باعتبار أجزائه، كأنَّ كُلَّ جزء من الأساس أساسٌ لما فوقه، والمعنى: واذكر يا محمد! وقت رفع إبراهيم أساس البيت؛ أي: الكعبة {وَإِسْمَاعِيلُ} ولده، وكان له أربعة بنين: إسماعيل من هاجر، وإسحاق من سارة، ومدين، ومداين من امرأة أخرى، وهو عطفٌ على إبراهيم، وتأخيره عن المفعول مع أنَّ حقَّ ما عطف على الفاعل أن يُقدَّم على المفعول؛ للإيذان بأنَّ الأصل في الرفع هو إبراهيم وإسماعيل تبعٌ له. قيل: إنّه كان يناوله الحجارة وهو يبنيها.
واعلم: أنَّ رفع الأساس الذي هو البناء عليه، يدلّ على أنَّ البيت كان مؤسَّسا قبل إبراهيم، وأنّه إنما بنى على الأساس الموجودة قبله، واختلف الناس فيمن بنى البيت أوّلًا، وأسَّسَه؟ فقيل: هو الملائكة، وذلك أنَّ الله تعالى لما قال:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} قالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} فغضب عليهم، فعاذوا بعرشه، وطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم حتى رضي عنهم، وقال لهم:(ابْنُوا لي بيتًا في الأرض، يتعوَّذ به من سخطت عليه من بني آدم، ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي، فأرضى عنهم) فبنوا هذا البيت. وقيل: إنّ الله بنى في السماء