تأملوا فيه .. وصلوا إلى الصواب، وأدركوا الأمر على الوجه الحق، إلا من ظلموا منهم وعاند، ولم يقبلوا النصح والإرشاد، فاستعملوا معهم الغلظة في القول، والأسلوب الجاف في الحديث، لعلهم يتوبون إلى رشدهم، ويتأملون فيما يقنعهم من الحجج والبراهين، ثم أمر رسوله أن يقول لهم: آمنا بالذي أنزل إلينا من القرآن، وأنزل إليكم من التوراة والإنجيل، وإن إلهنا وإلهكم واحد، ونحن مطيعون له.
ثم ذكر أن من أهل الكتاب من يؤمن بالقرآن، كما أن من أهل مكة من يؤمن به، وما يجحد به إلا من توغل في الكفر، وعدم حسن التأمل والفكر، إذ لا ريب في صدق رسوله، وأن كتابه منزل من عند ربه، فإن رجلًا أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يتعلم العلم، ولم يدارس إنسانًا مدى حياته، يأتي بهذه الحكم والأحكام، وجميل الآداب ومكارم الأخلاق، مما لم يكن له مثيل في محيط نشأ به، ولا في بلد كان يأويه، لمن أكبر الأدلة على أنه ليس من عند بشر، بل أوتيه من لدن حكيم خبير.
قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ ...} الآية، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر الدليل على أن القرآن من عند الله تعالى، وليس بمفترًى من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - .. أردف هذا شبهةً أخرى لهم، وهي أنهم طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي لهم بمعجزة محسوسة، كما أتى بذلك الأنبياء السابقون، كناقة صالح وعصا موسى، فأجابهم بأن أمر ذلك إلى الله سبحانه، لا إليه، فلو علم اْنكم تهتدون بها .. لأجابكم إلى ما طلبتم، ثم بين سخف عقولهم، وطلبهم الآيات الدالة على صدقه، بعد أن جاءهم بالمعجزة الباقية على وجه الدهر، وهي القرآن يتلى عليهم آناء الليل وأطراف النهار، فيه خبر من قبلهم، ونبأ من بعدهم، وحكم ما بينهم، وفيه بيان الحق ودحض الباطل، وفيه ذكرى حلول العقاب بالمكذبين والعاصين.
ثم أبان أن الله شهيد على صدقه، وهو العلم بما في السماوات والأرض، ثم هدد الكافرين بأن كل من يكذب رسل الله بعد قيام الأدلة على صدقهم،