للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وملبوس ومركوب، كما أن العبد ينزه الله في أول النهار وآخره ووسطه، فإن الله يطهره في أولهِ، وهو دنياه، وفي آخره وهو عقباه، وفي وسطه وهو حالة كونه في قبره، وتخصيص (١) التسبيح والتحميد بتلك الأوقات، للدلالة على أن ما يحدث فيها من آيات قدرته، وأنواع رحمته، ونعمته، شواهد ناطقة بتنزهه تعالى، واستحقاقه الحمد موجبة لتسبيحه، وتحميده حتمًا.

وعبارة "المراغي" هنا: وتخصيص (٢) هذه الأوقات من بين سائرها، لما فيها من التبدل الظاهر في أجزاء الزمن، والانتقال من حال إلى أخرى على صورة واضحة، كالانتقال من الضياء إلى الظلام في المساء، ومن الظلام إلى النور في الصباح، ومن ضياءٍ تامٍ وقت الظهيرة، إلى اضمحلالٍ لذلك الضياء وقت العشي. وهكذا.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الآية جامعة للصلوات الخمس ومواقيتها: {تُمْسُونَ} صلاة المغرب والعشاء، و {تُصْبِحُونَ} صلاة الفجر، {وَعَشِيًّا} صلاة العصر، و {تُظْهِرُونَ} صلاة الظهر. فالمعنى عليه: فصلوا لله في هذه الأوقات، الصلاة المشتملة على التسبيح والتحميد، وسائر الأذكار.

والأولى أن يفسر التسبيح بالتنزيه (٣)؛ أي: نزهوا الله سبحانه في هذه الأوقات عن صفات النقص، وصفوه بصفات الكمال؛ لأنه يتضمن الصلاة؛ لأنَّ التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب، وهو الاعتقاد الجازم، ويتناول التنزيه باللسان، وهو الذكر الحسن، ويتناول التنزيه بالأركان، وهو العمل الصالح، والثاني ثمرة الأول، والثالث ثمرة الثاني، فالإنسان إذا اعتقد شيئًا .. ظهر من قلبه على لسانه، وإذا قال .. ظهر صدقه في مقاله من أحواله وأفعاله، فاللسان: ترجمان الجنان، والأركان: ترجمان اللسان، لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان، فهي مشتملة على الذكر باللسان، والتصديق بالجنان، فهو نوع من أنواع التنزيه،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الرازي.