وهي أنهم حين الشدة يتضرعون إلى ربهم، وينيبون إليه، فإذا خلصوا منها .. رجعوا إلى شنثنتهم الأولى، وأشركوا به الأوثان، والأصنام، فليضلوا ما شاؤوا، فإن لهم يومًا يرجعون فيه إلى ربهم، فيحاسبهم على ما اجترحوا من السيئات، وليتهم اتبعوا ذلك عن دليل، حتى يكون لهم شبه العذر فيما يفعلون، بل هو الهوى المطاع، والرأي المتبع، ثم ذكر حال طائفة من المشركين دون سابقيهم، وهم من تكون عبادتهم لله رهن إصابتهم من الدنيا، فإن آتاهم ربهم منها .. رضوا، وإذا منعوا منها سخطوا وقنطوا، وقد كان عليهم أن يعلموا أن بسط النعمة وإقتارها بيده وحده، وقد جعل لذلك أسبابًا، متى سلكها فاعلها .. وصل إلى ما يريد، وليس علينا إلا أن تطمئن نفوسنا إلى ما يكون، فكله بقدر الله وقضائه، وعلينا أن نستسلم له، ونعمل ما طلب إلينا عمله، من الأخذ في العمل جهد الطاقة.
وقوله تعالى:{فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما بين أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. أردف ذلك ببيان أنه يحب الإحسان على ذوي القربى وذوي الحاجات من المساكين وأبناء السبيل، فإنه إذا بسط الرزق .. لم ينقصه الإنفاف، وإذا قدر .. لم يزده الإمساك.
قوله تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن المشركين عبدوا مع الله سواه، وأشركوا به غيره، والشرك سبب الفساد، كما يرشد إلى ذلك قوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} .. أعقب ذلك ببيان أن الناس قد انتهكوا حرمات الله، واجترحوا المعاصي، وفثما بينهم الظلم والطمع، وأكل القوي مال الضعيف، فصب عليهم ربهم سوط عذابه، فكثرت الحروب، وافتن الناس في أدوات التدمير والإهلاك، فمن غائصات البحار تهلك السفن الماخرة فيها، إلى طائرات قاذفات للحمم والمواد المحرقة إلى مدافع تحصد الناس حصدًا إلى دبابات سميكة الدروع تهد