للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كالليلة المظلمة، فكما أن الليلة تحيط ظلمتها بالجوانب، فكذا المعصية تتفرق شآمتها إلى الأقارب والأجانب، فهي من تأثيرات قهره تعالى.

قيل (١): أول فساد ظهر في البر قتل قابيل أخاه هابيل، وفي البحر أخذ الجلندي الملك كل سفينة غصبًا، وفي المثل: أظلم من ابن الجلندي، بزيادة ابن كما في "إنسان العيون"، وكان من أجداد الحجاج، بينه وبينه سبعون جدًّا، وكانت الأرض خضرةً معجبة بنضارتها، يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرةً، وكان ماء البحر عذبًا، وكان لا تقصد الأسود البقر، فلما وقع القتل المذكور .. تغير ما على الأرض، وشاكت الأشجار؛ أي: صارت ذات شوك، وصار ماء البحر ملحًا مرًا جدًا، وقصد بعض الحيوان بعضًا، وتعلقت شوكة بنبي، فلعنها، فقالت: لا تلعني فإني ظهرت من شؤم ذنوب الآدميين.

و {اللام} في قوله: {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} للعلة، والذوق: وجود الطعم بالفم، وكثر استعماله في العذاب، يعني: أفسد أسباب دنياهم بسوء صنيعهم، ليذيقهم بعض جزاء ما عملوا، واقترفوا من الذنوب، والإعراض عن الحق، ويعذبهم بالبأساء والضراء والمصائب، وإنما (٢) قال: {بَعْضَ} لأن تمام الجزاء في الآخرة، ويجوز أن تكون اللام للعاقبة؛ أي: كان عاقبة ظهور الشرور منهم ذلك، نعوذ بالله من سوء العاقبة. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عما كانوا عليه من الشرك والمعاصي والغفلات، وتتبع الشهوات، وتضييع الأوقات إلى التوحيد والطاعة، وطلب الحق والجهد في عبوديته، وتعظيم الشرع والتأسف على ما فات.

ففيه تنبيه على أن الله تعالى إنما يقضي بالجدوبة، ونقص الثمرات والنبات، لطفًا من جنابه في رجوع الخلق عن المعصية.

وقرأ الجمهور: {لِيُذِيقَهُمْ} بالياء، وقرأ السلمي، والأعرج، وأبو حيوة، وسلام، وسهل، وروح، وابن حسان، وقنبل من طريق مجاهد، وابن الصباح،


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.