للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي "فتح الرحمن": وإنما (١) جعلهن الله كالأمهات، ولم يجعل نبيه كالأب حتى قال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} لأنه تعالى أراد أن أمته يدعون أزواجه بأشرف ما تنادى به النساء، وهو الأم، وأشرف ما ينادى به النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظ الرسول، ولأنه تعالى جعلهن كالأمهات، إجلالًا لنبيه، لئلا يطمع أحد في نكاحهن بعده، ولو جعله أبًا للمؤمنين .. لكان أبًا للمؤمنات أيضًا فيحرمن عليه، وذلك ينافي إجلاله وتعظيمه، ولأنه تعالى جعله أولى بنا من أنفسنا، وذلك أعظم من الأب في القرب والحرمة، إذ لا أقرب للإنسان من نفسه، ولأن من الآباء من يتبرأ من ابنه، ولا يمكنه أن يتبرأ من نفسه. انتهى.

ثم بين سبحانه: أن القرابة أولى بالإرث بها من الأخوة في الدين، فقال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ}؛ أي: ذوو القربات النسبية {بَعْضُهُمْ أَوْلَى} وأحق {بـ} إرث {بَعْضٍ} آخر منهم، فالكلام على حذف مضاف.

وهذه الآية كانت ناسخة للتوارث بالحلف والمؤاخاة بين المسلمين، وكان (٢) التوارث في بدء الإِسلام بالحلف والمؤاخاة بين المسلمين، فكان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته، وذوي رحمه، للأخوة التي آخى بينهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين الهجرة، فقد آخى بين أبي بكر - رضي الله عنه - وخارجة بن زيد، وبين عمر وشخص آخر، وبين الزبير وكعب بن مالك، ثم نسخ ذلك بهذه الآية.

وقوله تعالى: {فِي كِتَابِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى: يجوز (٣) أن يتعلق بـ {أَوْلَى} لأن أفعل التفضيل يعمل في الظروف.

والمعنى: هذه الأولوية، وهذا الاستحقاق، كائن وثابت في كتاب الله تعالى، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير في {أَوْلَى}، والعامل فيها {أَوْلَى} لأنها شبيهة بالظرف؛ أي: حالة كون أولويتهم ثابتةً في كتاب الله تعالى، ولا يجوز أن يكون حالًا من {أولوا} للفصل بالخبر، ولأنه لا عامل فيها


(١) فتح الرحمن.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.