للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على آل محمد مثل الصلاة على إبراهيم وآله، فلا يشكل يكون المشبه به أقوى، كما هو المشهور ذكره "القهستاني"، وقال في "الضياء المعنوي": هذا تشبيه من حيث أصل الصلاة، لا من حيث المصلى عليه؛ لأن نبينا أفضل من إبراهيم، فمعناه: اللهم صلِّ على محمد بمقدار فضله وشرفه عندك، كما صليت على إبراهيم بقدر فضله وشرفه. وهذا كقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ}؛ أي: اذكروا الله بقدر نعمه وآلائه عليكم، كما تذكرون آباءكم بقدر نعمهم عليكم، وتشبيه الشيء بالشيء يصح من وجه واحد، وإن كان لا يشبهه من كل وجه، كما قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} من وجه واحد، وهو تخليقه عيسى من غير أب. انتهى.

ثم إن الآية الكريمة دلت على وجوب الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتفق العلماء على وجوبها، كما دلت عليه الآية، ثم إنهم (١) اختلفوا فقال قوم: تجب في العمر مرة، واعتمده الكرخي، وعليه أكثر العلماء، وقيل: تجب في كل صلاة في التشهد الأخير، وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، وقيل: تجب كلما جرى ذكره على لسانه، أو سمعه من غيره، فاختاره الطحاوي من الحنفية، والحليمي من الشافعية، وهو ضعيف، والواجب اللهم صلِّ على محمد، وما زاد سنة.

وأما الصلاة عليه في التشهد الأخير: فسنة عند أبي حنيفة ومالك، وشرط لجواز الصلاة عند الشافعى، وركن عند أحمد، فتبطل الصلاة عندهما بتركها عمدًا كان أو سهوًا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لم يُصل عليَّ في صلاته. قالت الحنفية والمالكية: ذلك محمول على نفي الكمال، ولو كانت فريضةً لعلَّمها النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي حين علَّمه أركان الصلاة.

وأما الصلاة على غير الأنبياء (٢): فتجوز تبعًا بأن يقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آله، ويكره استقلالًا وابتداءً كراهة تنزيه، كما هو الصحيح الذي عليه الأكثرون، فلا يقال: اللهم صلِّ على أبي بكر؛ لأن في العرف شعار ذكر الرسل، ومنه كره أن يقال: محمد عز وجل مع كونه عزيزًا جليلًا، ولتأديته إلى الاتهام


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.