- والقنطار كجبل أحد وزنًا - أنفقوا ولا تخشوا ولا تضيقوا ولا تقتروا وليكن أكثر نفقتكم يوم الجمعة".
وفي الحديث: "كل معروف صدقة، وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له به صدقة، وما وقى به الرجل عرضه كتب له به صدقة"، ومعنى كل معروف صدقة: أن الإنفاق لا ينحصر في المال، بل يتناول كل بر من الأموال والأقوال والأفعال والعلوم والمعارف، وإنفاق العلوم والمعارف أفضل وأشرف؛ لأن نفع الأموال للأجساد، ونفع العلوم والمعارف للقلوب والأرواح، ومعنى ما وقي به عرضه: ما أعطى الشاعر وذا اللسان المتقى.
وفي الحديث: "ينادي مناد كل ليلة: لا دواء للموت، وينادي آخر: ابنوا للخراب، وينادي منادٍ: هب للمنفق خلفًا وينادي مناد: هب للممسك تلفًا".
وفي الحديث: "يؤجر ابن آدم في نفقته كلها إلا شيئًا وضعه في الماء والطين" قال القنوي، في شرح هذا الحديث؛ وهذا الحديث - وإن كان من حيث الصيغة مطلقًا - فالأحوال والقرائن تخصصه، وذلك أن بناء المساجد في الرباطات ومواضع العبادات يؤجر الباني لها عليها بلا خلاف، فالمراد بالمذكور هنا إنما هو البناء الذي لم يقصد صاحبه إلا التنزه والانفساح والاستراحة والرياء والسمعة، وإذا كان كذلك فمطمح همة الباني ومقصده لا يتجاوز هذا العالم، فلا يكون لبنائه ثمرة، ولا نتيجة في الآخرة؛ لأنه لم يقصد بما فعله أمرًا وراء هذه الدار، فأفعاله أعراض زائلة لا موجب لتعدِّيها من هنا إلى الآخرة، فلا إثمار لها، فلا أجر. انتهى.
{أَنْتَ وَلِيُّنَا}: مضاف لمفعوله؛ أي: متولي أمورنا، والولي: خلاف العدو.
{ذُوقُوا} الذوق في الأصل، وإن كان فيما يقل تناوله كالأكل، لا فيما يكثر تناوله، إلا أنه مستصلح للكثير، كما هنا.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ}؛ لأنه حذف فيه