للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما أحدثوا بعدك، فيقول: "سحقًا لمن بدل بعدي".

وإنما خص الإيمان (١) بهذه الأمور الخمسة؛ لأنه يدخل تحت كل واحد منها أشياء كثيرة مما يلزم المؤمن أن يصدق بها.

وقدم الإيمان (٢) بالله واليوم الآخر على الإيمان بالملائكة والكتب والرسل؛ لأن المكلف له مبدأ ووسط ومنتهى، ومعرفة المبدأ والمنتهى هو المقصود بالذات، وهو المراد بالإيمان بالله واليوم الآخر، وأما معرفة مصالح الوسط: فلا تتم إلا بالرسالة؛ وهي لا تتم إلا بأمور ثلاثة: الملائكة الآتين بالوحي، والموحى به، وهو الكتاب، والموحى إليه، وهو الرسول.

وقدم الإيمان على أفعال الجوارح، وهو إيتاء المال والصلاة والزكاة؛ لأن أعمال القلوب أشرف من أعمال الجوارح، ولأن أعمال الجوارح النافعة عند الله تعالى إنما تنشأ عن الإيمان، وبهذه الخمسة التي هي متعلق الإيمان حصلت حقيقة الإيمان.

فإن قلتَ: لِمَ قدم هنا ذكر اليوم الآخر وأخَّره في قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}؟

قلتُ: إنما قدمه هنا وأخره هناك؛ لأجل أن الكافر لا يحرف الآخرة ولا يعتني بها، وهي أبعد الأشياء عن الحقائق عنده، فلذلك أخره هناك، ولما ذكر هنا حال المؤمنين، والمؤمن أقرب الأشياء إليه أمر الآخرة، وكل ما يفعله ويتحراه فإنه يقصد به وجه الله تعالى، ثم أمر الآخرة قدم ذكره هنا تنبيهًا على أن البر مراعاة الله، ومراعاة الآخرة، ثم مراعاة غيرهما.

وسادسها: بذل الأموال على وفق أمر الله تعالى، واليهود أخلوا بذلك؛


(١) المراغي.
(٢) الخازن.