لا يخرج الضعيف، ولا من له مركب صعب، حتى إنّ بعضهم خالف هذا الأمر، فنفر مركوبه فصرعه، فاندقت فخذه فمات. فأمر عليه السلام بلالًا رضي الله عنه أن ينادي في الناس: الجنة لا تحل لعاص، ثلاثًا. وخرج معه - صلى الله عليه وسلم - من نسائه أمّ سلمة رضي الله عنها ولمّا أشرف على خيبر، وكان وقت الصبح .. رأى عمَّالها وقد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم، وهي القفف الكبيرة، قالوا: محمد والخميس؛ أي: الجيش العظيم معه، قيل له: الخميس؛ لأنه خمسة أقسام: المقدمة، والساقة والميمنة والميسرة، وهما الجناحان، والقلب، وأدبروا؛ أي: العمّال هربًا إلى حصونهم، وكانوا لا يظنّون أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزوهم، وكان بها عشرة آلاف مقاتل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "الله أكبر، خَرِبَت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم .. فساء صباح المنذرين".
وابتدأ من حصونهم بحصن النطاة، وأمر بقطع نخلها فقطعوا أربع مئة، ثم نهاهم عن القطع، ومكث - صلى الله عليه وسلم - سبعة أيَّام يقاتل أهل حصون النطاة، فلم يرجع من أعطى له الراية بفتح، ثمّ قال:"لأعطين الراية غدًا إلى رجل يحبّ الله ورسوله، ويحبّانه، يفتح الله على يديه" فتطاولها أبو بكر وعمر، وبعض الصحابة من قريش، فدعا - صلى الله عليه وسلم - عليًّا رضي الله عنه وبه رمد، فتفل في عينيه، ثم أعطاه الراية، وكانت تلك الراية بيضاء مكتوب فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، بالسواد، فقال: عَلَامَ أقاتلهم يا رسول الله؟ قال:"أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك .. فقد حقنوا دماءهم وأموالهم" وألبسه - صلى الله عليه وسلم - درعه الحديد، وشدّ سيفه ذا الفقار في وسطه، ووجهه إلى الحصين، وقال:"لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خير لك من حمر النعم"؛ أي: من الإبل النفيسة التي تصدق بها في سبيل الله، فخرج عليّ بالراية يهرول، حتى ركزها تحت الحصن، فخرج الحارث أخو مرحب، وكان معروفًا بالشجاعة، فتضاربا فقتله عليّ، وانهزم اليهود إلى الحصين، ثمّ خرج إليه مرحب سيد اليهود، وهو يرتجز ويقول: