قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا}.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}؛ لأن فيه حذف المعطوف عليه؛ فإن أصل الكلام: ليعز المؤمنين وليخزي الفاسقين.
ومنها: التكرير في قوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}. وهو إعادة عين العبارة الأولى لزيادة التقرير.
ومنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}. فإن المراد: قرى بني النضير، ومقتضى السياق أن يقال: منهم، ولكنه أظهر للإشعار بشمول ما لعقاراتهم.
ومنها: الفصل في هذه الآية، أعني قوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}. والفصل عند علماء المعاني: ترك عطف جملة على أخرى. وضده الوصل، وهو: عطف بعض الجمل على بعض. وهذا الباب أغمض أبواب علم المعاني، حتى قيل لبعضهم: ما البلاغة؟ فقال: معرفة الفصل والوصل. قال:
الْفَصْلُ تَرْكُ عَطْفِ جُمْلَةٍ أَتَت ... مِنْ بَعْدِ أُخْرَى عَكْسَ وَصْلٍ قَدْ ثَبَتْ
ولكل منهما مواضع نلخصها فيما يلي:
مواضع الفصل: يجب الفصل في خمسة مواضع:
١ - أن يكون بين الجملتين اتحاد تام، بأن تكون الثانية بدلًا من الأولى؛ كالآية التي نحن بصددها، أو بيانًا لها، نحو: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ}، أو مؤكدة لها، نحو: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)}. ويقال في هذا الموضع: إن بين الجملتين كمال الاتصال.
٢ - أن يكون بين الجملتين تباين تام؛ بأن تختلفا خبرًا، وإنشاء، كقوله:
لَا تَسْأَلِ الْمَرْءَ عَنْ خَلَائِقِهِ ... فِي وَجْهِهِ شَاهِدٌ يُغْنِي عَنِ الْخَبَرِ
٣ - كون الجملة الثانية جوابًا عن سؤال نشأ من الجملة الأولى، كقوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}.
٤ - أن تسبق جملة بجملتين يصح عطفها على إحداهما لوجود المناسبة، وفي عطفها على الأخرى فساد، فيترك العطف دفعًا للوهم، كقوله: