الموت، والموت أقرب غائب ينتظر؛ فأنقذكم الإِسلام منها.
وفي هذه الآيات جماع المنن التي أنعم الله بها عليهم، فقد أخرجهم بالإِسلام من الشرك ومخازيه، وألف بين قلوبهم حتى صاروا سادة البشر، حين كانوا يعملون بكتابه، وأنقذهم بذلك من النار فسعدوا بالحسنيين. فانظر إلى آيات الله، ودلائل قدرته كيف حول قوما متخاذلين تملأ قلوبهم الإحن والعداوات، ويتربص كل منهما بالآخر ريب المنون إلى جماعات متعافية القلوب مليئة بالحب والإخلاص، وجهتهم جميعًا واحدة هي حكم الله ورفعة دينه ونشره بين البشر.
{كَذَلِكَ}؛ أي: كما بين لكم ربكم في هذه الآيات ما تضمره لكم اليهود من غشكم، وبين لكم ما أمركم به، وما نهاكم عنه، وبين لكم الحال التي كنتم عليها في الجاهلية، وما صرتم إليه في الإِسلام ليعرفكم في كل ذلك مواقع نعمه {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ}؛ أي: يفصل الله تعالى لكم {آيَاتِهِ}؛ أي: سائر حججه في تنزيله على لسان رسوله. {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}؛ أي: لكي تهتدوا من الضلالة، وتستعدوا للاهتداء الدائم حتى لا تعودوا إلى عمل الجاهلية من التفرق والعدوان؛ والمعنى يزيدكم بيان ذلك ما دام رسول الله فيكم.
فائدة: والاختلاف (١) الذي يقع بين البشر ضربان:
الأول: ضرب لا يسلم منه الناس، ولا يمكن الاحتراس منه، وهو الخلاف في الرأي والفهم، وهو مما فطر عليه البشر، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} إذ أن العقول والأفهام ليست متساوية، فالأسرة الواحدة تختلف أفهام أفرادها في الشيء الواحد كما يختلف حبهم له؛ وميلهم إليه، وهذا ضرب لا ضرر فيه.
والثاني: ضرب جدت الشرائع في هدمه ومحوه، وهو تحكيم الرأي والهوى في أمور الدين وشؤون الحياة، وهاك مثلًا يتضح لك به ما تقدم. قد اختلف الأئمة المجتهدون في فهم كثير من نصوص الدين من كتاب وسنة، وما