تشبيهًا له بيدع إذ لم تقع الواو في {يذر} بين ياء وكسرة، ولا ما هو في تقدير الكسرة؛ إذ الواو فيه، وقعت بين ياء وفتحة أصلية، بخلاف يدع، فإن الأصل فيه يودع، فحذفت الواو، لوقوعها بين الياء، وبين ما هو في تقدير الكسرة، إذ أصله يودع مثل يوعد، وإنما فتحت الدال منه؛ لأن لامه حرف حلقي، فيفتح له ما قبله، ومثله يطأ، ويسع، ويقع، ونحو ذلك.
{حَتَّى يَمِيزَ} يقرأ بالتخفيف من ماز يميز، من باب باع، وبالتشديد من ميز من باب فعل، وهما بمعنى واحد، بمعنى فصل الشيء من الشيء، وقيل: لا يكون ماز إلا في كثير من كثير، فأما واحد من واحد، فيتميز على معنى يعزل، ذكره أبو حيان، وليس التشديد لتعدي الفعل مثل فرح، وفرحته؛ لأن ماز وميز يتعديان إلى مفعول واحد {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي}{اجتبى} من باب افتعل من جبوت الماء أو المال وجبيته، وهما لغتان؛ فـ {الياء} في {يَجْتَبِي} تحتمل أن تكون على أصلها، وأن تكون منقلبة من واوٍ لانكسار ما قبلها. {مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ} أصل {ميراث} موراث فقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، والميراث مصدر ميمي كالميعاد. قال ابن الأنباري: يقال ورث فلان إذا انفرد به بعد أن كان مشاركًا فيه، وقال تعالى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} لأنه انفرد بذلك بعد أن كان داود مشاركًا له فيه.
البلاغة
قال أبو حيان (١): وقد تضمنت هذه الآيات فنونًا من البلاغة والبديع:
منها: الاختصاص في قوله: {أجر المؤمنين}.
ومنها: التكرار في قوله: {يَسْتَبْشِرُونَ} و {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} وفي اسمه في عدة مواضع، و {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وفي ذكر الإملاء.
ومنها: الطباق في قوله: {اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} و {لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}.