للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والعتق كالإيجاد من العدم، {و} عليه من الجزاء مع عتق الرقبة {دية مسلمة}؛ أي: مدفوعة {إِلَى أَهْلِهِ}؛ أي: إلى أهل المقتول وورثته {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}؛ أي: إلا أن يعفوا أهل المقتول عن تلك الدية، ويسقطوها باختيارهم؛ لأنها إنما وجبت تطييبًا لقلوبهم حتى لا تقع عداوة ولا بغضاء بينهم وبين القاتل، وتعويضًا عما فاتهم من المنفعة بقتله، فإذا هم عفوا .. فقد طابت نفوسهم، وانتفى المحذور، وكانوا هم ذوي الفضل على القاتل، وقد سمى الله تعالى هذا العفو تصدقًا، ترغيبًا فيه وحثًّا عليه وتنبيهًا على فضله، وفي الحديث: "كل معروف صدقة" وبينت السنة أنها مئة من الإبل، عشرون بنت مخاض، وكذا بنات لبون، وبنو لبون، وحقاق، وجذاع، وأنها على عاقلة القاتل، وهم عصبته، إلا الأصل والفرع، موزعة عليهم في ثلاث سنين: على الغني منهم نصف دينار، والمتوسط ربعٌ كل سنة، والحكمة في ذلك تقرير التضامن بين الأقربين، فإن لم يقوا .. فمن بيت المال - الوزارة المالية - فإن تعذر .. فعلى الجاني، وتجزىء قيمة الإبل إذا حصل التراضي بين الدافع والمستحق، ودية المرأة نصف دية الرجل؛ لأن المنفعة التي تفوت أهل الرجل بفقده أعظم من المنفعة التي تفوت بفقدها. وقد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتابًا جاء فيه: "إن من اعتبط - قتل بغير سبب شرعي - مؤمنًا، قتلًا عن بينة، فإنه قود؛ أي: قصاص يقتل به إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن في النفس الدية، مئة من الإبل، ثم قال: وعلى أهل الذهب ألف دينار". وفي هذا دليل على أن دية الإبل على أهلها، إذا كانت هي رأس أموالهم، وأن الذين يتعاملون بالذهب كأهل المدن تكون من الذهب أو الفضة، وعلى أن هذا أصل لا قيمة للإبل.

فالدية ضابطها هو المال الواجب بالجناية على الحر في النفس، أو فيما دونها، ويعطى إلى ورثة المقتول، عوضًا عن دمه.

وقرأ الجمهور (١): {يَصَّدَّقُوا} وأصله يتصدقوا فأدغمت التاء في الصاد،


(١) البحر المحيط.