للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السين وإسكان الحاء، وقرىء بفتحتين، وقرأ عبيد بن عمير أيضًا بكسر السين وإسكان الحاء، فبالضم والكسر والفتحتين، اسم المسحوت: كالدهن والرعي والنبض، وبالفتح والسكون مصدر أريد به المفعول، كالصيد بمعنى المصيد، أو سكنت الحاء طلبًا للخفة.

قيل: نزلت (١) في حكام اليهود، مثل كعب بن الأشرف ونظرائه، كانوا يرتشون ويقضون لمن رشاهم. قال الحسن: كان الحاكم منهم إذا أتاهم أحدهم برشوة .. جعلها في كمه، ثم يريها إياه ويتكلم بحاجته، فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيسمع الكذب ويأكل الرشوة وهي: السحت. وأصل السحت الاستئصال، يقال: سحته إذا استأصله، وسميت الرشوة في الحكم سحتًا؛ لأنها تستأصل دين المرتشي، والسحت كله حرام، تحمل عليه شدة الشره، وهو يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا تكون له بركة، ولا لآخذه مروءة، ويكون في حصوله عار، بحيث يخفيه لا محالة، ومعلوم أن حال الرشوة كذلك، فلذلك حرمت الرشوة على الحاكم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم". أخرجه الترمذي. وأخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال الحسن: إنّما ذلك في الحاكم إذا رشوته ليحق لك باطلًا، أو يبطل عنك حقًّا. وقال ابن مسعود: الرشوة في كل شيء، فمن شفع شفاعة ليرد بها حقًّا، أو يدفع بها ظلمًا فأهدى بها إليه فقبل .. فهو سحت، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم، فقال: الأخذ على الحكم كفر، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.

{فَإِنْ جَاءُوكَ} يا محمَّد؛ أي: جاءك اليهود متحاكمين إليك فيما شجر بينهم من الخصومات {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}؛ أي: فأنت (٢) مخير بين


(١) الخازن.
(٢) المراغي.