وفي "الكرخي": وهذا الإبدال في غاية البلاغة، فإنه لما قال:{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} .. أوهم ذلك أن كلهم صاروا كذلك، فلما قال:{كَثِيرٌ مِنْهُمْ} علم أن هذا الحكم حاصل للكثير منهم لا للكل. {وَاللَّهُ}: مبتدأ. {بَصِيرٌ}: خبره. {بِمَا يَعْمَلُونَ}: جار ومجرور وصلة الموصول متعلق ببصير والجملة الإسمية مستأنفة.
التصريف ومفردات اللغة
{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} اليد مؤنثة أصله يَدْيٌ حذفت لامه اعتباطًا؛ أي: من غير صلة تصريفية طلبًا للتخفيف بدليل جمعه على الأيدى. {مَغْلُولَةٌ}: اسم مفعول غله يغله، من باب شد إذا وضع في يده أو عنقه الغلّ، والغل بضم الغين طوق من حديد أو جامد يجعل في اليد أو في العنق، يجمع على أغلال وغلول، وكونها مغلولة كناية عن كونها محبوسة مقبوضة ممسوكة عن البذل والرزق والعطاء، فنسبوا إلى الله البخل والقبض تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، فمراد اليهود لعنة الله عليهم بقولهم:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}: أن الله تعالى بخيل، فأجابهم بقوله:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}: دعاء عليهم بالبخل؛ أي: أمسكت وانقبضت عن العطاء {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} يقال: بسط اليد يبسط بسطًا، من باب نصر إذا مدها, وبسط السيف إذا سله، وبسط الثوب نشره، ويده بسط بضم أوله وسكون ثانيه وبسط بضمهما ويد مبسوطة؛ أي: مفتوحة مطلقة، وبسط اليد هنا كناية عن كثرة العطاء والبذل والإحسان.
{طُغْيَانًا وَكُفْرًا} والطغيان مصدر طغا الكافر يطغى، من باب سعى يسعى، أو طغي يطغى، من باب رضي يرضى إذا غلا في الكفر. والطغيان الغلو والتمرد في الكفر والغي والضلال، والعامة تقول طغاه الشيطان، أي: صرفه عن طريق الخير، وطغا الرجل إذا أسرف في الظلم والمعاصي. ويقال: كفر الرجل بالخلق يكفر من باب نصر، كَفْرًا كُفْرًا وكُفورًا وكُفرانًا إذا نفاه وعطَّله، وكفر نعم الله وبنعم الله إذا جحدها وتناساها، وذلك ضد الشكر فعطف الكفر على الطغيان من عطف العام على الخاص, لأن الطغيان الغلو في الكفر.