{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}؛ أي: أوقعنا بينهم العداوة، والعداوة: الخصومة والمباعدة، والعدو: الخصم، وهو ضد الصديق، وهو من يفرح لحزنك ويحزن لفرحك، ويقال: عدا عليه يعدو من باب دعا، عَدْوًا وعُدْوانًا وعداوة إذا ظلمه، والبغضاء وكذا البَغاضةُ البُغْضُ الشديد، والبغض ضد الحب. {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ} والحرب ضد السلم فهي تصدق بالإخلال بالأمن والسلب والنهب، ولو بغير قتل وبتهييج الفتن والإغراء بالقتل، والكثير من الحرب التأنيث. وفي "المختار" الحرب مؤنثة وقد تذكر {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ} يقال: أقام الشيء إقامة وقامة إذا أدامه، وأقام بالمكان دام فيه واتخذه وطنًا، وأقام الحق إذا أظهره، وإقامة التوراة العمل بما فيها على أتم الوجوه، سواء في ذلك عمل النفس بالإيمان والإذعان، وعمل الجوارح والقوى البدنية {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}؛ أي: لوسع الله عليهم موارد الرزق.
{مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ}: والمقتصدة المعتدلة في أمر الدين، فلا تغلوا بالإفراط، ولا تهملوا بالتقصير. وفي "الفتوحات" قوله: مقتصدة؛ أي: عادلة لا غالية ولا مقصرة، فالاقتصاد في الشيء هو الاعتدال فيه، وقوله:{مُقْتَصِدَةٌ} اسم فاعل من اقتصد الخماسي، يقال: اقتصد في الأمر ضد أفرط، وفي النفقة توسط بين الإفراط والتقتير، واقتصد في أمره استقام {فَلَا تَأسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} يقال: أسى يأسى أسًا من باب رضي يرضى إذا حزن، فهو آس وأسيان، وهي آسية وأسيانة {وَالصَّابِئُونَ} جمع صابىء يقال: صبؤ يصبؤ من باب فعل المضموم، صبأ وصبؤًا إذا خرج عن دين إلى دين آخر، أو تدين بدين الصابئين فهو صابىء، يجمع على صائبين وصابئة.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {مَغْلُولَةٌ} لأنه استعار الغل للبخل، فاشتق من الغل بمعنى البخل مغلولة بمعنى بخيلة على طريقة الاستعارة