بعض هفواتهم. ثمّ أظهر فسادها، وأبان بطلانها، فحكى ما أسداه المؤمنون إليهم من النصائح حين طلبوا منهم ترك الرذائل التي تؤدّي إلى الفتنة والفساد، والتمسك بأهداب الفضائل، واتباع ذوي الأحلام الراجحة والعقول الناضجة. ثمّ ما أجابوا به، مما دلّ على عظيم جهلهم، وتماديهم في سفههم وغفلتهم.
قوله تعالى:{وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها. أنّه سبحانه وتعالى لمّا ذكر فيما قبلها بعض خبائثهم وجناياتهم، وبعض هفواتهم، ذكر (١) هنا حال جماعة من المنافقين الذين كانوا في عصر التنزيل، قد بلغ من دعارتهم، وتمردهم في النفاق وفساد الأخلاق أن كانوا يظهرون بوجهين، ويتكلّمون بلسانين، فإذا لقوا المؤمنين قالوا: آمنا بما أنتم به مؤمنون، وإذا خلوا إلى شياطينهم دعاة الفتنة والإفساد الذين يصدّون عن سبيل الحقّ. قالوا لهم: إنّما نقول ذلك لهم استهزاء بهم، وقد فضح الله بهتانهم، وأوعدهم شديد العقاب على استهزائهم، وزادهم حيرة في أمورهم. ثمّ ذكر أنّهم قد اختاروا الضلالة على الهدى، إذ هم أهملوا العقل في فهم الكتاب بعد أن تمكنت منهم التقاليد والعادات، وتحكمت فيهم البدع، فخسروا في تجارتهم، وما كانوا مهتدين فيها؛ لأنّهم باعوا ما وهبهم الله تعالى من النور والهدى، بضلالات البدع والأهواء.
قوله تعالى:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا ...} الآيتين، مناسبتهما لما قبلهما: أنّ الله سبحانه لما ذكر فيما قبلهما بعض أحوال المنافقين الذين يظهرون بوجهين، ويتكلّمون بلسانين، أراد أن يضرب لهم الأمثال؛ لأنّ نهج القرآن الكريم، كنهج لغات العرب في أساليبها، فقال:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا ...} إلخ. فضرب الأمثال التي تجلي المعاني أتمّ جلاء، وتحدث في النفوس من الأثر، ما لا يقدر قدره ولا يسبر غوره؛ لما فيها من إبراز المعقولات الخفية في معرض المحسوسات الجليّة، وإظهار ما ينكر في لباس ما يعرف ويشهر. وعلى هذا السنن ضرب الله سبحانه مثل المنافقين، فمثّل حالهم حينما