للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الفكر وإن لم توقف سيره، بل تعود به إلى الحيرة، كحال قوم في إحدى الفلوات، نزل بهم بعد ظلام الليل صيّب من السماء فيه رعود قاصفة، وبروق لامعة، وصواعق متساقطة، فتولّاهم الدهش والرعب، فهووا بأصابعهم إلى آذانهم كلّما قصف هزيم الرعد؛ ليسدّوا منافذ السمع لما يحذرونه من الموت الزؤام، ويخافونه من نزول الحمام، ولكن هل ينجي حذر من قدر؟ تعددت الأسباب والموت واحد! بلى إنّ الله قدير أن يذهب الأسماع والأبصار التي كانت وسيلة الدهش والخوف، ولكن لحكمة غاب عنّا سرّها، ومصلحة لا تعرف كنهها، لم يشأ ذلك وهو الحكيم الخبير.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} الآيات، نزلت (١) هذه الآيات في المنافقين: عبد الله بن أبيّ ابن سلول، ومعتّب بن قثير، وجدّ بن قيس، وأصحابهم. وذلك أنّهم أظهروا كلمة الإسلام؛ ليسلموا بها من النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وأسرّوا الكفر

واعتقدوه، وأكثرهم من اليهود.

قوله تعالى: {وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ...} الآية، سبب نزوله: ما أخرجه الواحدي، والثعلبيّ من طريق محمد بن مروان السدّي الصغير، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (نزلت (٢) هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه، وذلك أنّهم خرجوا ذات يوم، فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال عبد الله بن أبيّ: أنظروا كيف أردّ عنكم هؤلاء السفهاء، فذهب فأخذ بيد أبي بكر، فقال: مرحبا بالصّدّيق سيد بني تيم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه وماله لرسول الله، ثمّ أخذ بيد عمر، فقال: مرحبا بسيّد بني عديّ بن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله، ثمّ أخذ بيد عليّ، فقال: مرحبا بابن عمّ رسول الله وختنه سيد بني


(١) الخازن.
(٢) لباب النقول.