للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَهو} سبحانه وتعالى الذي أنشأ، وخلق لكم {الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ}؛ أي: شجرهما معطوف على {جَنَّاتٍ} حالة كون كل منهما {مُتَشابِهًا} ورقهما {وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ} ثمرها في الجنس والطعم، أو يتشابه بعض أفرادهما في اللون والطعم، ولا يتشابه بعضها {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} قرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم: {من ثُمُره} وقرأ الباقون بفتحهما؛ أي: كلوا أيها العباد من ثمر كل منهما، أو من ثمر ذلك المذكور كله {إِذا أَثْمَرَ}، وإن لم يدرك ويينع؛ أي: كلوا من ثمره إذا حصل منه ثمر، وإن لم يدرك ويبلغ حد الحصاد، والأمر فيه أمر إباحة.

لما ذكر (١) الله سبحانه وتعالى ما أنعم به على عباده من خلق هذه الجنات المحتوية على أنواع من الثمار ذكر ما هو المقصود الأصلي، وهو الانتفاع، فقال تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ} وهذا أمر إباحة كما مر آنفا، وتمسك بهذا بعضهم، فقال: الأمر قد يرد إلى غير الوجوب؛ لأن هذه الصيغة مفيدة لدفع الحرج، وقال بعضهم: المقصود منه إباحة الأكل قبل إخراج الحق؛ لأنه تعالى لما أوجب الزكاة في الحبوب والثمار .. كان يحتمل أن يحرم على المالك أن يأكل منها شيئا قبل إخراج الواجب فيها لمكان شركة الفقراء والمساكين معه، فأباح الله أن يأكل قبل إخراجه؛ لأن رعاية حق النفس مقدمة على رعاية حق الغير، وقيل: إنما قال تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ} بصيغة الأمر، ليعلم أن المقصود من خلق هذه الأشياء التي أنعم الله بها على عباده هو الأكل.

وخلاصة ما سلف (٢): أنه سبحانه وتعالى بعد أن أعلم عباده بأنه هو الذي أنشأ لهم ما في الأرض من الشجر والنبات الذي يستعملون منه أقواتهم .. أعلمهم بأنه أباح ذلك كله لهم، فليس لأحد غيره أن يحرم شيئا منه عليهم؛ لأن التحريم حق لله الخالق للعباد للأقوات جميعا، فمن ادعاه لنفسه .. فقد جعل نفسه شريكا له تعالى، كما أن من أذعن لتحريم غير الله .. فقد أشركه معه سبحانه وتعالى.


(١) الخازن.
(٢) المراغي.