وروى ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا تزال الشمس تجري من مطلعها إلى مغربها حتى يأتي الوقت الذي جعله الله تعالى غاية لتوبة عباده فتستأذن الشمس من أين تطلع، ويستأذن القمر من حيث يطلع، فلا يؤذن لهما، فيحسبان مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر، فلا يعرف مقدار حبسهما إلا قليل من الناس، وهم أهل الأوراد وحملة القرآن، فينادي بعضهم بعضا، فيجتمعون في مساجدهم بالتضرع والبكاء والصراخ بقية تلك الليلة، ثم يرسل الله جبرائيل إلى الشمس والقمر، فيقول: إن الرب تعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما، فتطلعا منه لا ضوء لكما عندنا ولا نور، فتبكي الشمس وكذا القمر من خوف يوم القيامة وخوف الموت، فترجع الشمس والقمر، فيطلعان من مغربهما، فبينما الناس كذلك يتضرعون إلى الله عز وجل، والغافلون في غفلاتهم إذ نادى مناد: ألا إن باب التوبة قد أغلق، والشمس والقمر قد طلعا من مغاربهما، فينظر الناس إليهما، وإذا هما أسودان
كالعكمين لا ضوء لهما ولا نور، فذلك قوله تعالى:{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}(٩). والعكم - بالكسر - الغرارة؛ أي: كالغرارتين العظيمتين، ومنه يقال لمن يشد الغرائر على الجمل: العكام، فيرتفعان مثل البعيرين المقرنين ينازع كل منهما صاحبه استباقا، ويتصايح أهل الدنيا، وتذهل الأمهات عن أولادها، وتضع كل ذات حمل حملها؛ فأما الصالحون والأبرار فإنهم ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب لهم عبادة، وأما الفاسقون والفجار فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب عليهم حسرة، فإذا بلغت الشمس والقمر وسط السماء جاءهما جبريل، فأخذ بقرونهما، فردهما إلى المغرب، فيغربهما في باب التوبة، ثم يرد المصراعين، فيلتئم ما بينهما ويصيران كأنهما لم يكن صدع قط ولا خلل، فإذا أغلق باب التوبة .. لم يقبل لعبد بعد ذلك توبة ولم تنفعه حسنة يعملها بعد ذلك إلا ما كان قبل ذلك يحب أن يفعله قبل ذلك، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري لهم قبل ذلك، فذلك قوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمانُها ...} الآية.
قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: وما باب التوبة يا رسول الله؟ فقال: «يا عمر، خلق الله بابا للتوبة جهة المغرب، فهو من أبواب الجنة، مصراعان من