للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأرض، مقدار سبعة آلاف سنة، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فأفسدوا وقتلوا، فبعث الله إليهم ملائكة سماء الدنيا، وأمّر عليهم إبليس، وكان اسمه عزازيل، وكان أكثرهم علما، فهبطوا إلى الأرض حتى هزموا الجن، وأخرجوهم من الأرض إلى جزائر البحور وشعوب الجبال، وسكنوا الأرض، وصار أمر العبادة عليهم أخف؛ لأن كل صنف من الملائكة يكون أرفع في السموات يكون خوفهم أشدّ، وملائكة سماء الدنيا يكون أمرهم أيسر من الذين فوقهم، وأعطى الله إبليس ملك الأرض، وملك السماء الدنيا، وخزانة الجنة، وكان له جناحان من زمرد أخضر، وكان يعبد الله تارة في الأرض، وتارة في السماء، وتارة في الجنة، فدخله العجب، فقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه، وأيضا: كلّ من اطمأن إلى الدنيا أمر بالتحوّل عنها، فقال الله له ولجنوده {إِنِّي جاعِلٌ}؛ أي: خالق ومصيّر {فِي الْأَرْضِ} دون السماء؛ لأن التباغي والتظالم كان في الأرض {خَلِيفَةً} ورسولا يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها، وهو آدم عليه السلام، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: {يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} أو قوما يخلف بعضهم بعضا، قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} أو خالق فيها بدلا منكم، وهو آدم عليه السلام؛ لأنه خلف الجن وجاء بعدهم؛ ولأنه خليفة الله في أرضه؛ أي: أريد أن أخلق في الأرض بدلا منكم، ورافعكم إليّ، فكرهوا ذلك؛ لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة، والمراد به: آدم عليه السلام. وقرأ الجمهور: {خَلِيفَةً} بالفاء وقرأ زيد بن علي، وأبو البر، هشيم عمران {خليقة} بالقاف، ومعناه واضح ذكره في «البحر».

واعلم (١) أن الله تعالى، يحفظ العالم بالخليفة، كما يحفظ الخزائن بالختم، فالبدء كان آدم، والختام يكون بعيسى عليه السلام، والحكمة في الاستخلاف: قصور المستخلف عليه عن قبول فيضه، وتلقّي أمره بغير واسطة؛ لأن المفيض


(١) روح البيان.