للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قبلهما: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) ذكر أن المنافقين لا يتحرجون عن كاذب الإيمان إذا وجدوا في ذلك طريقًا لخدعة المؤمنين في تصديقهم بأنهم مؤمنون كما هم مؤمنون، كي يأمنوا جانبهم، وأنهم يجدون في البعد عنهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا .. أردف ذلك بذكر سوءة أخرى من سوآتهم، وهي: أنهم يتمنون الفرص للطعن علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى يوقعوا الريب في قلوب ضعفاء الإيمان من المسلك الذي يوافق أهواءهم، وقد وجدوا من ذلك قسمة الصدقات والمغانم، فولجوا هذا الباب، وقالوا ما شاؤوا أن يقولوا.

قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) من يعيب الرسول في قسم الصدقات، بأنّه يعطي من شاء ويحرم من يشاء، أو يخص أقاربه أو يأخذ لنفسه ما بقي، وكانوا يسألون فوق ما يستحقون .. بيَّن تعالى مصرف الصدقات، وأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قسم على ما فرضه الله تعالى.

أسباب النزول

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي ...} الآية، سبب نزول هذه الآية (٣): ما أخرجه الطبراني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمّا أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج إلى غزوة تبوك .. قال للجدِّ بن قيس: "يا جُدَّ بن قيس، ما تقول في مجاهدة بني الأصفر؟ " فقال: يا رسول الله، إني امرؤٌ صاحب نساء ومتى أرى نساء بني الأصفر أفْتتِن، فأُذن لي ولا تفتنِّي، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ...} الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، من حديث جابر بن عبد الله، مثله وأخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "اغزوا، تغنموا بنات بني الأصفر". فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء، فأنزل الله {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}.


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) لباب النقول.