فصل في بيان حكمة إيجاب الزكاة على الأغنياء، وصرفها إلى المحتاجين من الناس (١)
ذكروا في بيان حكمتها ستة أوجه:
الوجه الأول: أن المال محبوب بالطبع، وسببه أن القدرة صفة من صفات الكمال، وصفة الكمال محبوبة لذاتها، والمال سبب لتحصيل تلك القدرة، فكان المال محبوبًا بالطبع، فإذا استغرق القلب في حب المال .. اشتغل به عن حب الله - عز وجل -، وعن الاشتغال بالطاعات المقربة إلى الله - عز وجل -، فاقتضت الحكمة الإلهية إيجاب الزكاة في ذلك المال، الذي هو سبب البعد عن الله، فيصير سببًا للقرب من الله - عز وجل -، بإخراج الزكاة منه.
الوجه الثاني: أنَّ كثرة المال توجب قسوة القلب، وحبَّ الدنيا، والميل إلى شهواتها ولذاتها، فأوجب الله سبحانه وتعالى الزكاة، ليقل ذلك المال الذي هو سبب لقساوة القلب.
الوجه الثالث: سبب وجوب الزكاة امتحان العبد المؤمن؛ لأنَّ التكاليف البدنية غير شاقة على العبد، وإخراج المال سياق على النفس، فأوجب الله - عز وجل - الزكاة على العباد، ليمتحن بإخراج الزكاة أصحاب الأموال، ليميز بذلك المطيع المخرج لها طيبةً بها نفسه من العاصي المانع لها.
الوجه الرابع: أنَّ المال مال الله، والأغنياء خزان الله، والفقراء عيال الله، فأمر الله سبحانه وتعالى خزانه الذين هم الأغنياء بدفع طائفة من ماله إلى عياله، فيثيب العبد المؤمن المطيع، المسارع إلى امتثال الأمر المشفق على عياله، ويعاقب العبد العاصي المانع لعياله من ماله، وعن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن الخازن المسلم الأمين، الذي ينفذ - وربما قال: يعطي - ما