والحاصل (١): أن الله سبحانه وتعالى، ذكر في هذه الآية ثلاث طبقات من الأمة هي خيرها:
١ - السابقون الأولون من المهاجرين، وهم الذين هاجروا قبل صلح الحديبية، وقد كان المشركون يضطهدون المؤمنين، ويقاتلونهم في دار الهجرة وما حولها، ولا يمكنون أحدًا من الهجرة متى كان ذلك في طاقتهم، ولا منجاة للمؤمنين من شرهم، إلا بالفرار أو الجوار، فالذين هاجروا في ذلك الوقت .. كانوا من المؤمنين الصادقين، وأفضل هؤلاء الخلفاء الأربعة، ثم العشرة الذين بشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة.
٢ - السابقون الأولون من الأنصار، وهم الذين بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عند العقبة، في منى في المرة الأولى، سنة إحدى عشرة من البعثة، وكانوا سبعة، وفي المرة الثانية وكانوا سبعين رجلًا وامرأتين.
٣ - الذين اتبعوا هؤلاء السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في الهجرة والنصرة، حال كونهم محسنين، في أفعالم وأقوالهم فإذا اتبعوهم في ظاهر الإِسلام .. كانوا منافقين مسيئين، غير محسنين في هذا الاتباع وإذا تبعوهم محسنين في بعض أعمالهم ومسيئين في بعض .. كانوا مذنبين.
{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}؛ أي: هؤلاء المذكورون جميعًا رضي الله سبحانه وتعالى عنهم في إيمانهم وإسلامهم، فقبل طاعتهم، وتجاوز عن زلاتهم، وبهم أعز الإِسلام، ونكل بأعدائه من المشركين، وأهل الكتاب، ورضوا عنه بما أسبغ عليهم من نعمه الدينية والدنيوية، فأنقذهم من الشرك، وهداهم من الضلال، وأعزهم بعد الذل، وأغناهم بعد الفقر.
وقوله:{وَأَعَدَّ لَهُمْ} معطوف على رضي؛ أي: وهيأ لهؤلاء المذكورين، من الطبقات الثلاث في الآخرة، {جَنَّاتٍ}؛ أي: بساتين {تَجْرِي} وتسيل {تَحْتَهَا}؛ أي: تحت أشجارها وغرفها. وقرأ ابن كثير:{من تحتها} بزيادة