للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: بل أتنبئون الله سبحانه وتعالى وتخبرونه {بِمَا لَا يَعْلَمُ} الله سبحانه وتعالى وجوده في {الْأَرْضِ} ولا في السموات من الشركاء الذين تعبدونهم مع كونه العالم بما في السموات والأرض، أو تخبرونه بصفات لهم يستحقون لأجلها العبادة وهو لا يعلمها. وفي هذا نفي لوجودها؛ لأنها لو كانت موجودة لعلمها الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا تخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وإنما خص (١) الأرض بنفي الشريك عنها، وإن لم يكن له شريك في غير الأرض؛ لأنهم ادعوا له شريكًا في الأرض {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ}؛ أي: بل أتسمونهم شركاء بظاهر وهذل من القول من غير أن تكون له حقيقة ولا معنى. وقيل المعنى: قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر يعلمه، فإن قالوا بباطن لا يعلمه فقد جاؤوا بدعوى باطلة، وإن قالوا بظاهر يعلمه، فقل لهم: سموهم، فإذا سموا اللات والعزى ونحوهما، فقل لهم: إن الله لا يعلم لنفسه شريكًا. وقيل معنى: {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} أي: بزائل من القول باطلٍ، وقيل: يكذب من القول، وقيل: معنى {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ}؛ أي: بحجة من القول ظاهرة على زعمهم.

وخلاصة حجاجه على المشركين (٢): نفي الدليل العقلي والدليل النقلي على أحقية عبادتها، فبعد أن هدم قاعدة الإشراك بقوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} زاد ذلك إيضاحًا، فقال: وليتهم إذا أشركوا بربهم - الذي لا ينبغي أن يشرك به - أشركوا به من له حقيقة واعتبار، ومن ينفع ويضر، لا من لا اسم له فضلًا عن المسمى، بل من لا يعرف له وجود في الأرض ولا في السماء، ويريدون أن ينبئوا عالم السر والنجوى بما لا يعلمه، ثم زاد على ذلك، فقال: وما تلك التسمية إلا بظاهر من القول من غير أن يكون تحتها طائل، وما هي إلا أصوات جوفاء كثيرة المباني خالية عن المعاني، وما هي إلا كالألفاظ المهملة التي هي أجراس لا تدل على مكان، ولا يتكلم بها عاقل تنفرًا منها واستقباحًا.


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.