للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التناهي في المعنى الذي يصفونه به، والعرب توقع الأسماء المبهمة على الجماعة وعلى الواحد، كقوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ} وإنما ناداه جبريل وحده.

وإنما سمي إبراهيم - عليه السلام - أمةً لأنه اجتمع فيه من صفات الكمال وصفات الخير والأخلاق الحميدة ما اجتمع في أمة، ومنه قول الشاعر:

وَلَيْسَ عَلَى الله بِمُسْتَنْكَرٍ ... أنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِيْ وَاحِدِ

ثم للمفسرين في معنى هذه اللفظة أقوال (١):

أحدها: قول ابن مسعود الأمة معلم الناس الخير، يعني أنه كان معلمًا الخير، يأتم به أهل الدنيا.

الثاني: قال مجاهد: إنه كان مؤمنًا وحده، والناس كلهم كفار، فلهذا المعنى كان أمةً وحده، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - في زيد بن عمرو بن نفيل: "يبعثه الله أمة وحده"، وإنما قال فيه هذه المقالة لأنه كان فارق الجاهلية وما كانوا عليه من عبادة الأصنام.

الثالث: قال قتادة: ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه ويرضونه، وقيل الأمة فعلة بمعنى مفعولة، وهو الذي يؤتم به، وكان إبراهيم - عليه السلام - إمامًا يقتدى به، دليله قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}، وقيل: إنه - عليه السلام - هو السبب الذي لأجله جعلت أمته ومن تبعه ممتازين عمن سواهم بالتوحيد لله والدين الحق، وهو من باب إطلاق المسبب على السبب، وقيل: إنما سمي إبراهيم - عليه السلام - أمة لأنه قام مقام أمة في عبادة الله تعالى اهـ "خازن".

وحاصل ما ذكر له من الصفات تسعة بل عشرة، إذ قوله: (ثُمَّ أَوحَينا إِلَيْكَ ...} إلخ، يرجع لوصف إبراهيم وتعظيمه بأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أمر باتباعه اهـ شيخنا.


(١) الفتوحات.