جمع من الأنبياء، كنوح وإبراهيم وإدريس وموسى وعيسى، وبيّن ما أوتوا من الشرائع والأحكام، على وجه الإجمال .. قفى على ذلك، ببيان أن لبّ الدين عند الله واحد، وأن جميع الأنبياء قد اتفقوا عليه، ولم يختلفوا فيه في عمر من العصور، وهو عبادة الله وحده، لا شريك له، وأنه هو القاهر فوق عباده، المالك لجميع السموات والأرض، لا يؤده حفظهما، وهو العلي العظيم، وإن اختلفوا في الرسوم والأشكال، بحسب اختلاف الأزمان والأمكنة، فعليكم أيها المسلمون، أن تحافظوا على وحدة دينكم، وأن لا تجعلوه عضين، وكأنه يقول لهم: عليكم أن لا تركنوا إلى خوارق العادات، كما رأيتم في قصص موسى، ولا تدعوا نظم الدولة، بل سوسوها كما كان يفعل داود وسليمان، ولا تذروا الصبر في جميع الأعمال، كما رأيتم في قصص أيوب ومن بعده.
قوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر هول الموقف ودعاء المشركين على أنفسهم بالهلاك في هذا الحين، وشخوص أبصارهم من الحيرة والدهش، مما يشاهدون ويرون .. أردف هذا ذكر ما يؤول إليه أمرهم بعد الحساب، وأنهم يكونون هم ومعبوداتهم، من الأصنام والأوثان حطبًا للنار حين يردونها، وأنهم من شدة العذاب فيها يكون لهم أنين وزفير، حتى لا يسمع بعضهم أصوات بعض، لفظاعة ما هم فيه من العذاب، ثم أعقب ذلك بذكر حال السماء حينئذٍ، وأنها تطوى طيا، وكأنها لم تكن كما يطوي الكاتب الطومار الذي يكتب فيه، ويحوّل ذلك العالم المشاهد إلى عالم آخر، فيخلق الله أرضًا جديدة وكواكب جديدة، ويعيد الناس للحساب، وهو القادر على ذلك، فكما قدر على خلقه أول مرة، يعيده في حال أخرى، كما قال:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ}.
قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أحوال كل من الكافرين والمؤمنين .. ذكر أن الدنيا ليست كالآخرة، فلا يرثها إلّا من كان قادرًا