من معارضة أولئك الكذَّابين، وإظهار أمرهم على الناس.
{بِبَابِلَ} الباء (١) بمعنى في، وهي متعلقةٌ بأنزل، أو بمحذوف وقع حالًا من الملكين، وهي: بابل العراق، أو بابل أرض الكوفة، ومنع الصرف للعجمة والعلمية، وأحسن ما قيل في تسميتها ببابل: أنَّ نوحًا عليه السلام، لمَّا هبط إلى أسفل الجوديِّ، بَنَى قريةً وسمَّاها ثمانين، فأصبح ذات يوم، وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها اللسان العربيُّ، وكان لا يفهم بعضهم من بعض. كذا في "تفسير القرطبي"، واختصت بابل بالإنزال؛ لأنّها كانت أكثر البلاد سحرًا {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} عطف بيان للملكين؛ لأنَّهما علمان لملكين نَزَلا من السماء، كما أخرجه ابن جرير، عن ابن عباس، ومُنع صرفهما للعلمية والعجمية، وما روي في قصتهما من أنَّها شربا الخمر، وسفكا الدم، وزنيا، وقتلا نفسًا، وسجدا للصنم، فَمِمَّا لا تعويل عليه؛ لأنَّ مداره رِوايةُ اليهود مع ما فيه من المخالفة لأدلَّة النقل والعقل.
يقول الفقير: قد تصَفَّحْتُ كتبَ أرباب الخبر والبيان، وأصحاب الشهود والعيان، فوُجدتُ عامَّتَها مشحونةً بذكر ما جرى من قصتهما، وكيف يجوز الاتِّفاق من الجمِّ الغفير على ما مداره - روايةُ اليهود، خُصوصًا في مثل هذا الأمر الهائل، فأقول: وَصْفُ الملائكِةِ بأنَّهم لا يعصون، ولا يستكبرون، يسبِّحون الليل والنهار، لا يفتُرون، ويفعلون ما يؤمرون، دليلُ تصوُّرِ العصيان منهم، ولولا ذلك لما مدحوا به، إذ لا يُمْدَح أحدٌ على الممتنع، لكن طاعتهم طبعٌ، وعصيانهم تكلُّفٌ، على عكس حال البشر، كما في "التيسير"، فهذا يقتضي جوازُ الوقوع مع أنَّ فيما روي في سبب نزولهما ما يزيل الإشكال قطعًا، وهو أنَّهم لمَّا عيَّروا بني آدم بقلّة الأعمال، وكثرة الذنوب في زمن إدريس عليه السلام، قال الله تعالى:(لو أنزلتكم إلى الأرض وركَّبت فيكم ما ركَّبت فيهم لفعلتم مثل ما فعلوا)، فقالوا: سبحانك ربَّنا، ما كان ينبغي لنا أن نعصيك، قال الله تعالى: