للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: إن كان الخطاب للعرب، فهو أبو العرب قاطبةً فلا إشكال، وإن كان الخطاب لكل المسلمين، فهو أبو المسلمين لكونه أبًا لنبيهم - صلى الله عليه وسلم -. والمراد: أن احترامه وحفظ حقه واجب عليهم، كما يجب احترام الأب.

والضمير في قوله: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} عائد إلى الله، بدليل قراءة أبي {الله سماكم} والمعنى: هو سبحانه وتعالى سماكم المسلمين، في الكتب القديمة {مِنْ قَبْلُ} نزول القرآن. وقيل: عائد على إبراهيم، يعني أن إبراهيم سماكم المسلمين في زمنه، من قبل هذا الوقت، كما حكاه تعالى في قوله: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} فاستجاب الله دعاءه فينا.

{و} سماكم الله سبحانه مسلمين {في هذا} القرآن بقوله: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. وقيل: الله سماكم المسلمين في الأزل، من قبل أن خلقكم، وبعد أن خلقكم، أو سماكم إبراهيم مسلمين في هذا القرآن. وتسميته إياهم (١) مسلمين في القرآن وإن لم تكن منه كان بسبب تسميته من قبل في قوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}. وقيل: التقدير في قوله: {وَفِي هَذَا} أي: وفي هذا القرآن بيان تسميته إياكم مسلمين.

ثم علل سبحانه ذلك بقوله: {لِيَكُونَ الرَّسُولُ} متعلق بـ {سَمَّاكُمُ}، واللام فيه، لام العاقبة؛ أي: ليكون الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة {شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} بأنه قد بلغكم رسالة ربكم، فيدل هذا على قبول شهادته لنفسه اعتمادًا على عصمته، أو بطاعة من أطاعه منكم، وعصيان من عصاه {وَتَكُونُوا} أنتم أيتها الأمة المحمدية {شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}؛ أي: على الأمم الماضية، بأن رسلهم قد بلغتهم.

والمعنى: أي (٢) إنما جعلكم هكذا أمة وسطًا عدولًا مشهودًا بعدالتكم بين الأمم، ليكون محمد - صلى الله عليه وسلم - شهيدًا عليهم يوم القيامة، بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم، وتكونوا شهداء على الناس، بأن رسلهم قد بلغوهم ما أرسلوا به إليهم.

وإنما قبلت شهادتهم على الناس لسائر الأنبياء لأنهم لم يفرقوا بين أحد


(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.