منهم، وعلموا أخبارهم من كتابهم على لسان نبيِّهم ولاعتراف سائر الأمم يومئذٍ بفضلهم على سواهم، وقد تقدم ذكر هذا في سورة الأنعام عند قوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، الآية.
ولما ندبهم لأداء الشهادة على الأمم جميعًا، طلب منهم دوام عبادته، والاعتصام بحبله المتين، فقال:{فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}؛ أي: فداوموا أيها المؤمنون، على إقامة الصلوات الخمس، وأدائها بحقوقها وشروطها في أوقاتها. {وَآتُوا الزَّكَاةَ}؛ أي: وداوموا على إيتائها وأدائها لمستحقيها، وتقربوا إليه بأنواع الطاعات لما خصكم بهذا الفضل العظيم، والشرف الجسيم، وإنما خص الصلاة والزكاة بالذكر، من بين أنواع الطاعات، لفضلها على غيرهما، فإن الأولى تدل على تعظيم أمر الله تعالى. والثانية على الشفقة على الخلق، {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ}؛ أي: واحتفظوا بالله مما تحذرون وتخافون منه، واعتمدوا عليه، والتجؤوا إليه، وثقوا به في مجامع أموركم دينًا ودنيا، وانتصروا به على أعدائكم، ولا تطلبوا الإعانة والنصرة إلا منه تعالى. {هُوَ} سبحانه وتعالى {مَوْلَاكُمْ}؛ أي: ناصركم وحافظكم ومتولي أحوالكم. وقيل: المراد بقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ}؛ أي: تمسكوا بدين الله تعالى.
والمعنى: أي فقابلوا هذه النعم العظيمة، بالقيام بشكرها، فأدوا حق الله عليكم، بطاعته فيما أوجب، وترك ما حرم، ومن أهم ذلك إقامة الصلاة، التي هي صلة بينكم وبين ربكم، وإيتاء الزكاة التي هي طهرة أبدانكم، وصلة ما بينكم وبين إخوانكم، واستعينوا بالله في جميع أموركم، وهو ناصركم على من يعاديكم.
ثم علل الاعتصام به بقوله:{فَنِعْمَ الْمَوْلَى} مولاكم، لا مماثل له في الولاية لأموركم {وَنِعْمَ النَّصِيرُ} ناصركم، لا مماثل له في النصرة لكم؛ أي: إن من تولاه كفاه، كل ما أهمه، وإذا نصر أحدًا، أعلاه على كل من خاصمه، إذ لا ناصر في الحقيقة سواه، ولا ولي غيره، فله الحمد، وهو رب العالمين.