في يده من المال فهو له، ويتبعه أولاده الذين حصلوا في الكتابة في العتق. وإذا عجز عن أداء المال، كان لمولاه أن يفسخ كتابته، ويرده إلى الرق. وما في يده من المال فهو لسيده لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم". أخرجه أبو داود.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ} أمر إيجاب، يجب على السيد أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيرًا إذا سأل العبد ذلك على قيمته، أو على أكثر من قيمته، وإن سأل على أقل من قيمته لا يجب. وهو قول عطاء وعمرو بن دينار. لما روي أن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه - وكان كثير المال - فأبى، فانطلق سيرين إلى عمر فشكاه، فدعاه عمر فقال له: كاتبه، فأبى، فضربه بالدرَّة، وتلا {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فكاتبه.
ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي؛ لأنه عقد جوز إرفاقًا بالعبد. ومن تتمة الإرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل، حتى يؤديه على مهلٍ، فيحصل المقصود. وجوز أبو حنيفة الكتابة حالة منجمة بنجم واحد.
ومعنى المفاعلة (١) في هذا العقد: أن المولى يكتب؛ أي: يفرض، ويوجب على نفسه أن يعتق المكاتب إذا أدى البدل، ويكتب العبد على نفسه أن يؤدي البدل من غير إخلال. وأيضًا بدل هذا العقد مؤجل منجم على المكاتب، والمال المؤجل يكتب فيه كتاب على من عليه المال غالبًا.
واختلفوا في معنى:{إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فقال ابن عمر: قوةً على الكسب. وهو قول مالك والثوري. وقيل: مالًا. روي أن عبدًا لسلمان الفارسي قال له: كاتبني، قال: ألك مال؟ قال: أتريد أن تطعمني أوساخ الناس، ولم يكاتبه. قيل: لو أراد به المال لقال: إن علمتم لهم خيرًا. وقيل: صدقًا وأمانةً. وقال الشافعي: أظهر معاني الخير في العبد، الاكتساب مع الأمانة، فأحب أن لا يمنع من الكتابة إذا كان هكذا. وقيل: معنى الخير، أن يكون العبد عاقلًا بالغًا.