النور الذي يهتدى به {كَمِشْكَاةٍ}؛ أي: كصفة نور مشكاة؛ أي: كوة غير نافذة في شدة الإشراف والإضاءة، أو مثل أدلته التى بثها في الآفاق. وهدى بها من شاء من عباده، كمثل نور مشكاة فيها {مِصْبَاحٌ}؛ أي: سراج ضخم ثاقب، له الصفات الآتية. {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}؛ أي: ذلك المصباح في قنديل من الزجاج الصافي الأزهر {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}؛ أي: تلك الزجاجة، كأنها كوكب ضخم مضيء من دراري النجوم.
النجوم وعظامها: كالزهرة والمشتري.
{يُوقَدُ} ذلك المصباح والسراج {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ}؛ أي: رويت وشربت فتيلته وخيطه من زيت شجرة زيتونة، كثيرة المنافع زرعت على جبل عال، أو صحراء واسعة، فهي ضاحية للشمس لا يظللها جبل ولا شجر، ولا يحجبها عنها حاجب من حين طلوعها إلى حين غروبها. فزيتها أشد ما يكون صفاء. {لَا شَرْقِيَّةٍ} فحسب {وَلَا غَرْبِيَّةٍ} فحسب بل هي شرقية غربية، تصيبها الشمس من حين طلوعها إلى حين غروبها. كما يقال: فلان لا مسافر ولا مقيم، إذا كان يسافر أحيانًا ويقيم أخرى.
وقوله:{يَكَادُ زَيْتُهَا}؛ أي: يقرب زيتها. صفة لشجرة أيضًا؛ أي: من شجرة مباركة موصوفة بأنه يكاد زيتها لشدة صفائه {يُضِيءُ} المكان بنفسه {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} أصلًا. وهذه (١) الجملة معطوفة على جملة محذوفة وقعت حالًا، والتقدير: يكاد زيتها يضيء، لو مسته نار ولو لم تمسسه نار؛ أي: تضيء كائنًا على كل حال، من وجود الشرط وعدمه. فالجملة حالية جيء بها لاستقصاء الأحوال، حتى في هذه الحال.
والمعنى: أن هذا الزيت في صفائه وإنارته، يكاد يضيء بنفسه على كل حال؛ أي: سواء مسته النار أو لم تمسسه، وفي "السمين" قوله: {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} جواب لو محذوف؛ أي: لأضاء لدلالة ما تقدم عليه.