للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي (١) زيتها لصفائه وبريقه ولمعانه، كأنه يضيء بنفسه دون أن تمسه النار؛ لأن الزيت إذا كان خالصًا صافيًا ثم ربي من بعد يرى كأن له شعاعًا، فإذا مسته النار ازداد ضوءًا على ضوء. كذلك قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه ازداد نورًا على نور وهدى على هدى.

قال يحيى بن سلام: قلب المؤمن يعرف الحق قبل أن يبين له، لموافقته إياه، وهو المراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله".

وارتفاع {نُورٌ} على أنه خبر لمبتدأ محذوف و {عَلَى نُورٍ} متعلق بمحذوف، هو صفة لـ {نور} مؤكدة له؛ أي: ذلك النور الذي عبر به عن القرآن، ومثلت صفته العجيبة الشأن، بما فصل من صفة المشكاة؛ أي: نور المصباح نور كائن على نور؛ أي: نور متضاعف. فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت، وزهرة القنديل، وضبط المشكاة لأشعته، فليس عبارةً عن مجموع نورين اثنين فقط. بل المراد به التكثير. كما يقال: فلان يضع درهمًا على درهم. ولا يراد به درهمان.

أي: نور المصباح نوره مترادف متضاعف، قد تناصرت فيه المشكاة والزجاجة. والمصباح والزيت حتى لم يبق بقية مما يقوي النور، ويزيده إشراقًا، ويمده بإضاءة. ذلك أن المصباح إذا كان في مكان ضيق كالمشكاة .. كان أضوأ له، وأجمع لنوره بخلاف المكان الواسع، فإن الضوء ينبعث فيه وينتشر. والقنديل أعون شيء على زيادة الإنارة وكذلك الزيت وصفاؤه.

فإن قلت: ولم مثل الله نوره؛ أي: معرفته في قلب المؤمن بنور المصباح، دون نور الشمس، مع أن نورها أتم؟

قلت: لأن المقصود، تمثيل النور في القلب. والقلب في الصدر، والصدر في البدن كالمصباح، والمصباح في الزجاجة والزجاجة في القنديل. وهذا التمثيل لا يتقيم إلا فيما ذكر؛ ولأن نور المعرفة له آلات يتوقف هو على اجتماعها


(١) المراغي.