للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كالذهن والفهم والعقل واليقظة وغيرها من الصفات الحميدة. كما أن نور القنديل يتوقف على اجتماع القنديل والزيت والفتيلة وغيرها، أو لأن نور الشمس يشرق متوجهًا إلى العالم السفلي، ونور المعرفة يشرق متوجهًا إلى العالم العلوي كنور المصباح. ولكثرة نفع الزيت، وخلوصه عما يخالطه غالبا، وقع التشبيه في ثوره دون نور الشمس مع أنه أتم من نور المصباح. اهـ. "فتح الرحمن".

{يَهْدِي اللَّهُ} سبحانه هداية (١) خاصةً موصلة إلى المطلوب حتمًا، وليس المراد بالداية هنا مجرد الدلالة. {لِنُورِهِ}؛ أي: لذلك النور المتضاعف العظيم الشأن. {مَنْ يَشَاءُ} هدايته من عباده، بأن يوقفهم لفهم ما فيه من دلائل حقيته، وكونه من عند الله من الإعجاز، والإخبار عن الغيب، وغير ذلك من موجبات الإيمان. وهذا من قبيل الهداية الخاصة. ولذا قال: من يشاء من عباده. وفيه إيذان بأن مناط هذه الهداية، وملاكها ليس إلا مشيئته. وأن تظاهر الأسباب بدونها بمعزل عن الإفضاء إلى المطلوب.

والمعنى: أي (٢) يوفق الله من يشاء من عباده لإصابة الحق، بالنظر والتدبر، وتوجيه الفكر لسلوك الطريق العبادة الموصلة إليه. ومن لم يتدبر، فهو كالأعمى. سواء لديه جنح الليل الدامس، وضحوة النهار الشامس. وعن علي - رضي الله عنه - {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ونشر فيهما الحق وبثه فأضاء له بنوره.

{وَيَضْرِبُ اللَّهُ} سبحانه {الْأَمْثَالَ}؛ أي: الأشباه ويبينها {لِلنَّاسِ} تقريبًا إلى الأفهام، وتسهيلًا لسبل الإدراك؛ أي: يبين الأشياء بأشباهها ونظائرها، تقريبًا لها إلى الأفهام والأذهان، وتسهيلًا لإدراكها؛ لأن إبراز المعقول في هيئة المحسوس، وتصويره بصورته يزيده وضوحًا وبيانًا. وهذا من قبيل الهداية العامة. ولذا قال: للناس.

والمعنى: أي ويسوق الله الأمثال للناس في تضاعيف هدايتهم، بحسب ما تدعو إليه حالهم، لما فيها من الفوائد في النصح والإرشاد. إذ بها تتفتق الأذهان


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.